مَقَامَ الْأَمْرِ الْبَاطِنِ وَذَلِكَ بِطَرِيقِ قِيَامِ هَذِهِ الْمُبَاشَرَةِ مَقَامَ خُرُوجِ النَّجَسِ كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَفِي الْحَقَائِقِ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ مَا لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى هَذَا التَّصْحِيحِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ كَمَا نَقَلَهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُنْيَةِ وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْغُلَامِ، وَكَذَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَيْهِمَا، وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعْزِيًّا إلَيْهَا أَيْضًا أَنَّ الْوُضُوءَ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ أَيْضًا قَالَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا إلَّا عَلَى الرَّجُلِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْمَرْأَةِ، فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ ثَبَتَ لِلرِّجَالِ ثَبَتَ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ إلَّا مَا نُصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى الْأَصْلُ فِي النِّسَاءِ أَنْ لَا يُذْكَرْنَ؛ لِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْنَ فِي الْقُرْآنِ حَتَّى شَكَوْنَ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: ٣٥] إلَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مَخْصُوصًا بِهِنَّ كَمَسْأَلَةِ الصَّغِيرَةِ الْآتِيَةِ فِي الْغُسْلِ. اهـ.
وَلِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ عِبَارَاتِ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُقَيِّدُوا بِوُضُوءِ الرَّجُلِ فَكَانَ وُضُوءُهَا دَاخِلًا فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: لَا خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى خُرُوجِ نَجَسٍ أَيْ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الدُّودَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الدُّودَةَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ بِلَّةٍ تَكُونُ مَعَهَا وَتَسْتَصْحِبُهَا وَتِلْكَ الْبِلَّةُ قَلِيلُ نَجَاسَةٍ وَقَلِيلُ النَّجَاسَةِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ وَمِنْ غَيْرِهِمَا غَيْرُ نَاقِضَةٍ.
الثَّانِي: أَنَّ الدُّودَةَ حَيَوَانٌ، وَهُوَ طَاهِرٌ فِي الْأَصْلِ وَالشَّيْءُ الطَّاهِرُ إذَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَقَضَ الْوُضُوءَ كَالرِّيحِ بِخِلَافِ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ:
الثَّالِثُ: أَنَّ الدُّودَةَ فِي الْجُرْحِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ انْفَصَلَ قِطْعَةٌ مِنْ اللَّحْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ، وَأَمَّا فِي السَّبِيلَيْنِ تَتَوَلَّدُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَتَكُونُ فِي الْخُرُوجِ كَالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَاقِضٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدُّودَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ وَالْقُبُلِ وَالذَّكَرِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الدُّودَةَ مِنْ الْإِحْلِيلِ لَا تَنْقُضُ وَأَنَّ الدُّودَةَ مِنْ الْقُبُلِ فِيهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَفِي شَرْحِ مِسْكِينٍ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ الْجُرْحِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يُنَافِيه مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْمَاءُ فِي الْجُرْحِ ثُمَّ خَرَجَ لَا يَنْقُضُ كَمَا لَا يَخْفَى بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ.
(قَوْلُهُ: وَمَسُّ ذَكَرٍ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ أَيْ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّ الذَّكَرِ وَكَذَا مَسُّ الدُّبُرِ وَالْفَرْجِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ الْمَسَّ لِوَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ إذَا كَانَ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ وَاسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ لَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِمَا رَوَتْ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلَنَا مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ شَيْءٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُسْتَقِيمُ الْإِسْنَادِ غَيْرُ مُضْطَرِبٍ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ وَيُرَجَّحُ حَدِيثَ طَلْقٍ عَلَى حَدِيثِ بُسْرَةَ بِأَنَّ حَدِيثَ الرِّجَالِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُمْ أَحْفَظُ لِلْعِلْمِ وَأَضْبَطُ؛ وَلِهَذَا جُعِلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَقَدْ أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ طَلْقٍ عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّ حَدِيثَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَتِلْكَ الْبِلَّةُ قَلِيلُ نَجَاسَةٍ إلَخْ) إطْلَاقُ النَّجَاسَةِ عَلَى الْقَلِيلِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ طَاهِرٌ، وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِهِمَا فَفِيهِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجِسًا كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ أَشَارَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَجِسٌ أَوْ يُرِيدُ حَقِيقَتَهُ اللُّغَوِيَّةَ لَا الشَّرْعِيَّةَ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْأَوَّلَ الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي مَادَّتُهُ مِنْ الْبَدَنِ.
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ) الْمُرَادُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الْأَصَابِعِ لَا خُصُوصُ الْأَصَابِعِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي زَكَرِيَّا الشَّافِعِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ وَمَسُّ فَرْجِ آدَمِيٍّ أَوْ مَحَلُّ قَطْعِهِ بِبَطْنِ كَفٍّ وَالْمُرَادُ بِبَطْنِ الْكَفِّ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِهِ مَا يَسْتَتِرُ عِنْدَ وَضْعِ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ قَالَ وَخَرَجَ بِبَطْنِ الْكَفِّ غَيْرُهُ كَرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الرَّاحَةِ وَاخْتَصَّ الْحُكْمُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ، وَهُوَ الرَّاحَةُ مَعَ بُطُونِ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ التَّلَذُّذَ إنَّمَا يَكُونُ بِهِ اهـ.