للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَلْقٍ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ قَدْ عَلِمْت مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّ حَدِيثَ بُسْرَةَ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَمْ تَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا حَدِيثُ مَسِّ الذَّكَرِ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ أَيْضًا تَرْجِيحًا لِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِأَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ قُدُومَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْنِي مَسْجِدَهُ وَرَاوِي حَدِيثِ بُسْرَةَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَإِنَّمَا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فَغَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ وُرُودَ طَلْقٍ إذْ ذَاكَ ثُمَّ رُجُوعُهُ لَا يَنْفِي عَوْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُمْ قَدْ رَوَوْا عَنْهُ حَدِيثًا ضَعِيفًا مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَقَالُوا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؛ وَلِأَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ أَنَّ الذَّكَرَ قِطْعَةُ لَحْمٍ فَلَا تَأْثِيرَ لِمَسِّهِ فِي الِانْتِقَاضِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ

وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ أَيْضًا إنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسِّ فَوْقَ حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ سَأَلْته عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فِي الصَّلَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ بِلَا حَائِلٍ مَرْدُودٌ بِأَنَّ تَعْلِيلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» يَأْبَى الْحَمْلَ وَالْبَضْعَةُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْقِطْعَةُ مِنْ اللَّحْمِ، وَفِي شَرْحِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَى بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إلَّا ابْنَ عُمَرَ وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ عَدَّ جَمَاعَةً لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الْحَدِيثَ يَعْنِيَ حَدِيثَ بُسْرَةَ وَمَنْ رَأَيْنَاهُ يُحَدِّثُ عَنْهُمْ سَخِرْنَا مِنْهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ حَدِيثِ بُسْرَةَ بَاطِنًا أَنَّ أَمْرَ النَّوَاقِضِ مِمَّا يَحْتَاجُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ إلَيْهِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ النَّقْضَ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ وَفِي السُّنَنِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْقَاضِي السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرْنَا رَجَاءُ بْنُ مُرَجَّى الْحَافِظُ قَالَ اجْتَمَعْنَا فِي مَسْجِدِ الْحَنِيفِ أَنَا وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَتَنَاظَرْنَا فِي مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ بِقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ وَتَقَلَّدَ قَوْلَهُمْ وَاحْتَجَّ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ وَاحْتَجَّ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ بِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ وَقَالَ لِيَحْيَى كَيْفَ تَتَقَلَّدُ إسْنَادَ بُسْرَةَ وَمَرْوَانَ أَرْسَلَ شُرْطِيًّا حَتَّى رَدَّ جَوَابَهَا إلَيْهِ وَقَالَ يَحْيَى وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ كِلَا الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا قُلْتُمَا فَقَالَ يَحْيَى حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْ جَسَدِك فَقَالَ يَحْيَى عَمَّنْ قَالَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُذَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ فَابْنُ مَسْعُودٍ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ فَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ نَعَمْ وَلَكِنْ أَبُو قَيْسٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ مَا أُبَالِي مَسَسْتُهُ أَوْ أَنْفِي فَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ عَمَّارٌ وَابْنُ عُمَرَ اسْتَوَيَا فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهَذَا وَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهَذَا اهـ.

وَإِنْ سَلَكْنَا طَرِيقَ الْجَمْعِ جُعِلَ مَسُّ الذَّكَرِ كِنَايَةً عَمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ الْبَلَاغَةِ يَسْكُتُونَ عَنْ ذِكْرِ الشَّيْءِ وَيَرْمِزُونَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ مَا هُوَ مِنْ رَوَادِفِهِ فَلَمَّا كَانَ مَسُّ الذَّكَرِ غَالِبًا يُرَادِفُ خُرُوجَ الْحَدَثِ مِنْهُ وَيُلَازِمُهُ عَبَّرَ بِهِ عَنْهُ كَمَا عَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ عَمَّا يُقْصَدُ لِأَجْلِهِ وَيَحِلّ فِيهِ فَيَتَطَابَقُ طَرِيقَا الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي التَّعْبِيرِ فَيُصَارُ إلَى هَذَا لِدَفْعِ التَّعَارُضُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ، وَهَذَا أَحَدُ مَا حُمِلَ بِهِ حَدِيثُ بُسْرَةَ فَقَالَ أَوْ الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدِ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي قَوْلِهِ الْوُضُوءُ قَبْلِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: إذْ قَدْ عَلِمْت مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ بَلْ الَّذِي فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ بُسْرَةَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْوَانَ بِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ) لَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قَدَّمَهُ عَنْ شَرْحِ الْآثَارِ؛ لِأَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْهُمْ لَا تَقْتَضِي إفْتَاءَهُمْ بِهِ وَلَا أَنَّهُمْ يَرْوُونَهُ فَافْهَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>