للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُ كَفَرْت يَا أَبَا حَنِيفَةَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَقُولُ أَنَّهُ فَرِيضَةٌ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيَهُولُنِي إكْفَارُك إيَّايَ وَأَنَا أَعْرِفُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ كَفَرْقِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ وَجَلَسَ عِنْدَهُ لِلتَّعَلُّمِ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَجُوزُ الْوِتْرُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَلَا عَلَى رَاحِلَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْوِتْرَ وَاجِبٌ وَأَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَالْفَرَائِضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ سُنَّةً لَكِنْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّلُ عَلَى رَاحِلَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي اللَّيْلِ وَإِذَا بَلَغَ الْوِتْرُ نَزَلَ فَيُوتِرُ عَلَى الْأَرْضِ» اهـ.

فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَاعِدًا وَرَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِاتِّفَاقِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ إذَا فَاتَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ أَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرٍ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا ذَكَرَهُ» اهـ.

وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ وُجُوبَ قَضَائِهِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا وَرُوِيَ عَنْهُمَا عَدَمُهُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُصَلَّى خَلْفَ النَّفْلِ اتِّفَاقًا فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ بِوُجُوبِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِمَا بِسُنِّيَّتِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ إلَّا فِي فَسَادِ الصُّبْحِ بِتَذَكُّرِهِ وَفِي قَضَائِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِيهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ فِيهِ كَقَضَاءِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ وَعِنْدَهُمَا لَا لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا اهـ.

لَكِنْ تَعَقَّبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَقَدْ عَلِمْت دَفْعَهُ بِمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية وَالتَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِمَا أَهْلُ قَرْيَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْوِتْرِ أَدَّبَهُمْ الْإِمَامُ وَحَبَسَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعُوا قَاتَلَهُمْ وَإِنْ امْتَنَعُوا عَنْ أَدَاءِ السُّنَنِ فَجَوَابُ أَئِمَّةِ بُخَارَى بِأَنَّ الْإِمَامَ يُقَاتِلُهُمْ كَمَا يُقَاتِلُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ أَنْكَرُوا سُنَّةَ السِّوَاكِ لَقَاتَلْتُهُمْ كَمَا نُقَاتِلُ الْمُرْتَدِّينَ اهـ.

وَفِي الْعُمْدَةِ اجْتَمَعَ قَوْمٌ عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ يُؤَدِّبُهُمْ الْإِمَامُ وَعَلَى تَرْكِ السُّنَنِ يُقَاتِلُهُمْ زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّ هَذَا إذَا تَرَكَهَا جَفَاءً لَكِنْ رَآهَا حَقًّا فَإِنْ لَمْ يَرَهَا حَقًّا يُكَفَّرُ وَذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ لِصَاحِبِ الْكَشْفِ أَنَّ الْوَاجِبَ نَوْعَانِ وَاجِبٌ فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ كَالْوِتْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى مَنَعَ تَذَكُّرُهُ صِحَّةَ الْفَجْرِ كَتَذَكُّرِ الْعِشَاءِ وَوَاجِبٌ دُونَ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ فَوْقَ السُّنَّةِ كَتَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى وَجَبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ وُجُوبَهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ بَلْ يَعُمُّ النَّاسَ أَجْمَعَ مِنْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ لِعُمُومِ الدَّلَائِلِ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ) أَيْ الْوِتْرُ لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ» قِيلَ لِلْحَسَنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ فَقَالَ كَانَ عُمَرُ أَفْقَهَ مِنْهُ وَكَانَ يَنْهَضُ فِي الثَّانِيَةِ بِالتَّكْبِيرِ اهـ.

وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرْت لَهُ مَا صَلَّى» فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاحِدَةٌ بِتَحْرِيمَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ لِيَحْتَاجَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِجَوَابِهِ إذْ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَظَهَرَ بِهَذَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: بِخَطِّ شَيْخِ شَيْخِنَا عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيَّ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْمُتُونِ بِالْفَرْقِ وَفَرَّعُوا عَلَى كُلِّ قَوْلٍ أَحْكَامًا لِلْآخَرِ كَفَسَادِ الْفَجْرِ بِتَذَكُّرِهِ وَفَسَادِهِ بِتَذَكُّرِ فَرْضٍ قَبْلَهُ اهـ.

قُلْت وَهُوَ عَجِيبٌ وَنَقْلُ الْعَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ لَهُ أَعْجَبُ وَكَأَنَّ مَنْشَأَهُ الْغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ إلَّا فِي فَسَادِ الصُّبْحِ إلَخْ (قَوْلُهُ إلَّا فِي فَسَادِ الصُّبْحِ بِتَذَكُّرِهِ إلَخْ) أَيْ وَإِلَّا فِي عَدَمِ إعَادَتِهِ لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ الْعِشَاءِ دُونَهُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ

وَالْوِتْرُ فَرْضٌ وَيَرَى بِذِكْرِهِ ... فِي فَجْرِهِ فَسَادَ فَرْضِ فَجْرِهِ

وَلَا يُعَادُ الْوِتْرُ إذْ يُعَادُ ... عِشَاؤُهُ إنْ ظَهَرَ الْفَسَادُ

اهـ.

وَإِلَّا فِي فَسَادِهِ بِتَذَكُّرِ فَرْضٍ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ تَعَقَّبَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَلِهَذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ ثَبَتَ وَإِلَّا فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَيْضًا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَاةٌ مَقْضِيَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ فَتَجِبُ كَالْمَغْرِبِ اهـ.

وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى تَأْوِيلٍ وَجَبَ بِثَبْتِ أَنَّ إيجَابَ الْقَضَاءِ بِدُونِ إيجَابِ الْأَدَاءِ مِمَّا لَمْ يُعْهَدْ كَمَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ مُتَعَقِّبًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ وَلِمَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ عَنْ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ إجْمَاعُ الْأَصْحَابِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ وَنَقَلَ جَوَابًا آخَرَ أَنَّ الْمُرَادَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ لِقَوْلِ الطَّحَاوِيِّ إنَّ وُجُوبَهُ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِهِمْ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ قَوْلُ الْفَتْحِ إنْ وَجَبَ بِمَعْنَى ثَبَتَ قَالَ وَهَذَا الْجَوَابُ اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الشَّارِحِينَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ عُدُولًا عَنْ الظَّاهِرِ اهـ.

وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَالتَّحْقِيقُ مَا فِي الْفَتْحِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ تَفْرِيقِ الْأَحْكَامِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

<<  <  ج: ص:  >  >>