للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ وَمِنْ كَوْنِهِ إذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً مُتَّصِلَةً وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يُقَاوَمُ الصَّرَائِحُ الْوَارِدَةُ وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ بِسَنَدِهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١] وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] وَفِي الثَّالِثَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] » وَمَا وَقَعَ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَنْكَرَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَلَمْ يَخْتَرْهَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي

وَصَحَّحَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْحَنَفِيِّ بِمَنْ يُسَلِّمُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ وَجَوَّزَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَيُصَلِّي مَعَهُ بَقِيَّةَ الْوِتْرِ لِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامِهِ عِنْدَهُ وَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ وَاشْتِرَاطُ الْمَشَايِخِ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْحَنَفِيِّ فِي الْوِتْرِ بِالشَّافِعِيِّ أَنْ لَا يَفْصِلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مُفِيدٌ لِصِحَّتِهِ إذَا لَمْ يَفْصِلْهُ اتِّفَاقًا وَيُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فِي الْوِتْرِ بِالشَّافِعِيِّ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فَصْلَ أَوْ وَصْلَ فَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ مُشِيرًا إلَى أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْفَصْلِ لَا مُطْلَقًا مُعَلِّلًا بِأَنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْحَنَفِيِّ اهـ.

فَمُرَادُهُ مِنْ الْأَوَّلِ هُوَ قَوْلُهُ فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيِّ وَلَا يَقْطَعُ وِتْرَهُ بِالسَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ وَيَشْهَدُ لِلشَّارِحِ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فِي الْعِيدَيْنِ صَحِيحٌ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ خِلَافٌ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَوَاجِبٌ عِنْدَنَا وَمَا نَقَلَهُ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْحَنَفِيِّ فِي الْوِتْرِ بِمَنْ يَرَى أَنَّهُ سُنَّةٌ كَالْيُوسُفِيِّ صَحِيحٌ لِأَنَّ كُلًّا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْوِتْرِ فَلَمْ تَخْتَلِفُ نِيَّتُهُمَا فَأُهْدِرَ اخْتِلَافُ الِاعْتِقَادِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَاعْتُبِرَ مُجَرَّدَ اتِّحَادِ النِّيَّةِ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ وِتْرُ الْحَنَفِيِّ اقْتِدَاءً بِوِتْرِ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الْوِتْرِ لِأَنَّهُ بِنِيَّتِهِ إيَّاهُ إنَّمَا نَوَى النَّفَلَ الَّذِي هُوَ الْوِتْرُ فَلَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَحِينَئِذٍ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى الْمَعْدُومِ فِي زَعْمِ الْمُقْتَدِي نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يَخْطِرْ بِخَاطِرِهِ عِنْدَ النِّيَّةِ صِفَةٌ مِنْ السُّنَّةِ أَوْ غَيْرِهَا بَلْ مُجَرَّدُ الْوِتْرِ يَنْتَفِي الْمَانِعُ فَيَجُوزُ لَكِنْ إطْلَاقُ مَسْأَلَةِ التَّجْنِيسِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ بِخَاطِرِهِ نَفْلِيَّةٌ وَفَرْضِيَّةٌ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمُتَقَرِّرُ فِي اعْتِقَادِهِ نَفْلِيَّتَهُ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ لِلْمُتَأَمِّلِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ تَرْجِيحُ مَا فِي الْإِرْشَادِ وَتَضْعِيفُ تَصْحِيحِ الزَّيْلَعِيِّ

وَمَا فِي الْفَتَاوَى عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ وَالْوِتْرُ لَيْسَ بِفَرْضٍ قَطْعِيٍّ إنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ ظَنِّيٌّ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فَلَا يَلْزَمُ اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَلَمْ يَلْزَمْ فِي صِحَّتِهِ تَعْيِينُ وُجُوبِهِ بَلْ تَعْيِينُ كَوْنِهِ وِتْرًا بَلْ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ يَنْوِي صَلَاةَ الْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ فَقَطْ وَصَرَّحَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بِأَنَّهُ لَا يَنْوِي فِي الْوِتْرِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيِّ فِي الْوِتْرِ إنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَعَدَمُهَا إنْ سَلَّمَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامِهِ عِنْدَهُ) فِيهِ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ الضَّمِيرُ فِي عِنْدَهُ إلَى الْمُقْتَدِي الْحَنَفِيِّ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا السَّلَامَ عِنْدَهُ مُخْرِجٌ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى جَازَ لَهُ بَعْدَهُ الْكَلَامُ وَنَحْوُهُ وَكَذَا إذَا رَجَعَ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ مُخْرِجٌ مِنْ الصَّلَاةِ نَعَمْ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ سَلَامُهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُتَمِّمٌ وَمُخْرِجٌ مِنْهَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامِهِ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ إمَامِهِ أَيْ لَمْ يَبْطُلْ وِتْرُهُ لِصِحَّةِ فَصْلِهِ عِنْدَهُ وَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِرَأْيِ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي نَقْلُهُ عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ (قَوْلُهُ مُفِيدٌ لِصِحَّتِهِ إلَخْ) فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيِّ عَدَمُ الْفَصْلِ عَلَى الصَّحِيحِ مُفِيدٌ لِلْخِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ الْفَصْلِ لَا لِلِاتِّفَاقِ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ سَبْقُ قَلَمٍ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ هُنَا هَكَذَا وَمَا ذُكِرَ فِي الْإِرْشَادِ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فِي الْوِتْرِ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ يُخَالِفُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْمَشَايِخِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِشَافِعِيٍّ فِي الْوِتْرِ أَنْ لَا يَفْصِلَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ عِنْدَ عَدَمِ فَصْلِهِ وَلَا غُبَارَ عَلَيْهَا

(قَوْلُهُ فَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ) أَيْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ كَلَامِ الْإِرْشَادِ وَالْأَوَّلُ أَيْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْقَطْعِ بِالسَّلَامِ أَصَحُّ وَفِي ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْفَصْلِ فَقَطْ ثُمَّ لِيُنْظَرْ فِيمَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ عَلَى الْحَنَفِيِّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَائِلَ بِوُجُوبِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَنَّهُ قَدْ مَرَّ عَنْ الْمَشَايِخِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ وَاجِبٌ اعْتِقَادًا أَيْ وَاجِبُ اعْتِقَادِهِ لِأَنَّهُ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ وَأَمَّا قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَازِمٌ عَمَلًا لَا عِلْمًا فَالْمُرَادُ نَفْيُ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَنَارِ وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ عَمَلًا لَا عِلْمًا عَلَى الْيَقِينِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ نَفْيُ الِافْتِرَاضِ وَالْيَقِينِ أَيْ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ الْوُجُوبِ لِيَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَمَلًا وَعِلْمًا أَيْ يَلْزَمُهُ فِعْلُهَا وَاعْتِقَادُهَا

(قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ) فِيهِ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ

<<  <  ج: ص:  >  >>