للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَشْمَلُ السُّنَّةَ الرُّبَاعِيَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةَ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِهَا مَعَ أَنَّ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ لَيْسَ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ بَلْ هِيَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلِهَذَا لَا يَسْتَفْتِحُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَلَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِقِيَامِهَا فِيهَا إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي وَإِنْ أُرِيدَ بِالنَّفْلِ فِي كَلَامِهِمْ مَا لَيْسَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً لَمْ يَتِمَّ أَيْضًا لِخُلُوِّهِ عَنْ إفَادَةِ حُكْمِ الْقِرَاءَةِ فِي السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْقَعْدَةُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ شَفْعٍ فَرْضًا كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهَا فَرْضٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ أَوْ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَبْقَ الْقَعْدَةُ فَرِيضَةً بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهَا رُكْنٌ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ فَإِذَا تَرَكَهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ.

(قَوْلُهُ وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ) بَيَانٌ لِمَا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْتِزَامِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ مَا وَجَبَ بِالْقَوْلِ وَهُوَ النَّذْرُ وَمَا وَجَبَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الشُّرُوعُ فِي النَّفْلِ فَنَبْدَأُ بِهِ تَبَعًا لِلْكِتَابِ فَنَقُولُ إنَّ إبْطَالَ الْعَمَلِ حَرَامٌ بِالنَّصِّ {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] فَيَلْزَمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّحَرِّي لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّمَامِ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى وَقَعَ قُرْبَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَدْرِ الْمُؤَدَّى يَصِيرُ مُثَابًا وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى لُزُومِ الْقَضَاءِ فِي إفْسَادِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ كَالْحَيْضِ فِي خِلَالِهِمَا أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَنَّهُ يَحِلُّ الْإِفْسَادُ لِعُذْرٍ فِيهِمَا وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْإِفْسَادُ فِي الصَّلَاةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي إبَاحَتِهِ فِي الصَّوْمِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُبَاحُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى يُبَاحُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّوْمِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ بَيَانٌ لِكَوْنِهِ لَازِمًا لَهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَإِذَا أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ إذَا شَرَعَ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِالْإِفْسَادِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّوْمِ وَفِي الْبَدَائِعِ

وَعِنْدَنَا الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَإِنْ أَتَمَّ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَإِذَا قَطَعَهَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ انْتَهَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ وَاجِبًا خُرُوجًا عَلَى الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَلَيْسَ بِإِبْطَالٍ لِلْعَمَلِ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِيُؤَدِّيَهُ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ فَلَا يُعَدُّ إبْطَالًا وَلَوْ قَضَاهُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ آخَرَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ نَاقِصَةً وَأَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ أَتَمَّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أُطْلِقَ الشُّرُوعُ فَانْصَرَفَ إلَى الصَّحِيحِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أُمِّيٍّ مُتَطَوِّعًا أَوْ فِي صَلَاةِ امْرَأَةٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ مُحْدِثٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَانْصَرَفَ إلَى الْقَصْدِيِّ فَالشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ الْمَظْنُونَةِ غَيْرُ مُوجِبٍ وَالْمُرَادُ بِالشُّرُوعِ هُوَ الدُّخُولُ فِيهَا بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ أَوْ بِالْقِيَامِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَوَّلِ صَحِيحًا فَإِذَا أَفْسَدَ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ فَقَطْ وَلَا يَسْرِي إلَى الْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ إلَّا إذَا صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفَسَدَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَعْدَةُ وَهِيَ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ فَسَدَتْ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَفْسُدُ مَا قَبْلَهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ هَذَا النَّفَلُ إذَا صَارَ لَازِمًا بِالشُّرُوعِ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَصْلِ النَّفْلِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ اقْتَدَى مُتَطَوِّعًا بِإِمَامٍ مُفْتَرِضٍ ثُمَّ قَطَعَهُ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ وَلَمْ يَنْوِ الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَلَوْ نَوَى تَطَوُّعًا آخَرَ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَنُوبُ عَمَّا لَزِمَهُ بِالْإِفْسَادِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ

وَذُكِرَ فِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يَنُوبُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا وَأَمَّا مَا يَجِبُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ النَّذْرُ فَفِي الْقُنْيَةِ أَدَاءُ النَّفْلِ بَعْدَ النَّذْرِ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهِ بِدُونِ النَّذْرِ ثُمَّ نُقِلَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ نَوَافِلَ قِيلَ يَنْذِرُهَا ثُمَّ يُصَلِّيهَا وَقِيلَ يُصَلِّيهَا كَمَا هِيَ انْتَهَى وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ وَهُوَ

ــ

[منحة الخالق]

بِأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْمُؤَكَّدَةَ صَلَاةً وَاحِدَةً فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْوِتْرِ فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْقِرَاءَةَ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِهِ احْتِيَاطًا كَمَا مَرَّ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا إلَخْ) أَيْ خِيَارُ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَ لَهَا زَوْجُهَا اخْتَارِي نَفْسَك وَهِيَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ) أَيْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا كَذَا قَالَ الْعَيْنِيُّ وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مِنْ اسْتِعْجَالِ الشَّيْءِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَهَلَّا قَالَ أَوْ حَجًّا اهـ.

وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ تَنْصِيصٌ عَلَى مَا فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِخِلَافِ الْحَجِّ إذْ لَا خِلَافَ لَهُ فِيهِ وَلَا فِي الْعُمْرَةِ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ اهـ.

وَالظَّاهِرُ تَخْصِيصُ الصَّلَاةِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمَقَامَ لَهَا وَلِأَنَّهُ يَنْبُو عَنْ الصَّوْمِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ كَمَا لَا يَخْفَى هَذَا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِوَاءَ لِأَنَّهُ وَقْتٌ ضَيِّقٌ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الشَّلَبِيِّ وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الشُّرُوعِ لَا فِي الْأَدَاءِ وَمُدَّةُ الشُّرُوعِ يَسِيرَةٌ يُمْكِنُ فِيهِ فَالْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّ تَحَرِّيَ الشُّرُوعِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ نَادِرٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ غَالِبًا بِخِلَافِ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى تَطَوُّعًا آخَرَ) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ) وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَفْظُهُ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>