مُرَجِّحٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَنْذِرُهَا لَكِنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُصُولَ الشَّرْطِ كَالْعِوَضِ لِلْعِبَادَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَلِّصًا وَوَجْهُ مَنْ قَالَ بِنَذْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِالشُّرُوعِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّذْرِ يَكُونُ وَاجِبًا فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْوَاجِبِ بِهِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَالْأَحْسَنُ عِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّهُ لَا يَنْذِرُهَا خُرُوجًا عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ بِيَقِينٍ ثُمَّ الْمَنْذُورُ قِسْمَانِ مُنَجَّزٌ وَمُعَلَّقٌ فَالْمُنَجَّزُ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ كَانَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً بِنَفْسِهَا وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ بِنَذْرٍ مُبَاحٍ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلُبْسٍ وَجِمَاعٍ وَطَلَاقٍ وَلَا بِنَذْرِ مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ كَنَذْرِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ سَجْدَةً لَا تَلْزَمُهُ وَلَا بِنَذْرِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ وَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْأَذَانِ وَبِنَاءِ الرِّبَاطَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ قُرَبًا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أُصَلِّيَ صَلَاةً أَوْ عَلَيَّ صَلَاةٌ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ يَوْمًا لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ
فَلَوْ نَذَرَ صَلَوَاتِ شَهْرٍ فَعَلَيْهِ صَلَوَاتُ شَهْرٍ كَالْمَفْرُوضَاتِ مَعَ الْوِتْرِ دُونَ السُّنَنِ لَكِنَّهُ يُصَلِّي الْوِتْرَ وَالْمَغْرِبَ أَرْبَعًا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ أَوْ ثَلَاثًا فَأَرْبَعٌ لِأَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَمَا عُرِفَ وَلَوْ نَذَرَ نِصْفَ رَكْعَةٍ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثَمَانِيًا أَوْ أَنْ يُزَكِّيَ النِّصَابَ عُشْرًا أَوْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مَرَّتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ فَهُوَ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً بِغَيْرِ وُضُوءٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَوْ عُرْيَانًا فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ بِقِرَاءَةٍ مَسْتُورًا عَلَى الْمُخْتَارِ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ عِبَادَةٌ كَصَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَالْأُمِّيِّ وَبِغَيْرِ ثَوَابٍ لِعَادِمِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَصْلًا تَجَوُّزًا بِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ لِيَكُونَ الْمَشْرُوعُ الْأَصْلِيَّ فِي مِثْلِهِ هُوَ الْخَاصُّ وَإِلَّا فَالصَّلَاةُ بِغَيْرِ وُضُوءٍ مَشْرُوعَةٌ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ النَّذْرَ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَ بِهِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ كَمَا عُرِفَ وَكَأَنَّهُ لِنُدْرَتِهِ لَمْ يُفَرِّعْ عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنَّفِهِ لَوْ قَالَ صَلَاةً بِطَهَارَةٍ بِلَا طَهَارَةٍ يَلْزَمُهُ بِطَهَارَةٍ اتِّفَاقًا وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ
وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ كَأَنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ مَاتَ عَدُوِّي فَلِلَّهِ عَلَيَّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ) أَيْ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ فَإِنَّ النَّهْيَ الَّذِي فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ مُطْلَقٌ وَتَقْيِيدُهُ بِالنَّذْرِ الْمُعَلَّقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ جَرْيًا عَلَى ظَاهِرِ الْإِطْلَاقِ فَالْأَحْوَطُ عَدَمُ النَّذْرِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي فُرُوعٍ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحَجِّ لَوْ ارْتَدَّ عَقِيبَ نَذْرِ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ مُوجِبُ النَّذْرِ لِأَنَّ نَفْسَ النَّذْرِ بِالْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ فَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ اهـ.
فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ النَّذْرَ بِالْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ بِالْمُعَلَّقِ بِمَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَإِنْ دَخَلْتُ دَارَ فُلَانٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْبَةَ وَكَذَا الْمُعَلَّقُ بِمَا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ رَدَّ غَائِبِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ مِنْ شَائِبَةِ الْعِوَضِ حَيْثُ جَعَلَ الْقُرْبَةَ فِي مُقَابَلَةِ الشِّفَاءِ وَنَحْوِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ أَنَّ الشِّفَاءَ حَصَلَ بِسَبَبِهِ فَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ بِخِلَافِ النَّذْرِ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا فَإِنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ بِالْقُرْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ دَاخِلًا تَحْتَ النَّهْيِ هَذَا وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ النَّذْرَ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْصِيلِ غَرَضِهِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَمَا قُلْنَاهُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ) اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِهِ فَإِنَّ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعَ الْجِنَازَةِ قَدْ خَرَجَا بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مَا سَيَنْقُلُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ النَّذْرَ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ سَيَنْقُلُهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنَّفِهِ هَكَذَا إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَزِمَاهُ بِطَهَارَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ نَذْرٌ صَحِيحٌ مُلْزِمٌ لِلطَّهَارَةِ اقْتِضَاءً فَكَانَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُنَاقِضًا لَهُ فَسَقَطَ وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الصِّحَّةِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ بِطَهَارَةٍ أَوْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ وَالْكَلَامُ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ الْإِفْصَاحِ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ رُجُوعًا عَنْ الْمَنْطُوقِ بَعْدَ صِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ انْتَهَتْ وَبِهَا يُعْلَمُ مَا فِي عِبَارَتِهِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ التَّحْرِيفِ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا لَوْ قَالَ صَلَاةً بِطَهَارَةٍ بِلَا طَهَارَةٍ وَالصَّوَابُ فِيهَا أَوْ بِلَا طَهَارَةٍ وَفِي بَعْضِهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا طَهَارَةٍ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهَا فَقَدْ عَلِمْت مَا فِي كَلَامِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute