للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ يُكْرَهُ فَلَوْ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا فِي آخِرِهَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا لَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَكَذَلِكَ هُنَا وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ بَيَانٌ لِوَقْتِهَا وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ مَا اخْتَارَهُ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ بُخَارَى أَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهُ الثَّانِي مَا قَالَهُ عَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى الْوِتْرِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ

وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ كَذَلِكَ وَكَانَ أُبَيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُصَلِّي بِهِمْ التَّرَاوِيحَ كَذَلِكَ الثَّالِثُ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَزَاهُ فِي الْكَافِي إلَى الْجُمْهُورِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هِيَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ لَا وَفِيمَا إذَا صَلَّاهَا بَعْدَ الْوِتْرِ فَعَلَى الثَّانِي لَا وَعَلَى الثَّالِثِ نَعَمْ هِيَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ وَتَظْهَرُ فِيمَا إذَا فَاتَتْهُ تَرْوِيحَةٌ أَوْ تَرْوِيحَتَانِ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِهَا يَفُوتُهُ الْوِتْرُ بِالْجَمَاعَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَشْتَغِلُ بِالْوِتْرِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا فَاتَهُ مِنْ التَّرَاوِيحِ وَعَلَى الثَّانِي يَشْتَغِلُ بِالتَّرْوِيحَةِ الْفَائِتَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بَعْدَ الْوِتْرِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ كَالثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى وَلَوْ فَاتَتْهُ تَرْوِيحَةٌ وَخَافَ لَوْ اشْتَغَلَ بِهَا تَفُوتُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فَمُتَابَعَةُ الْإِمَامِ أَوْلَى وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ تَسْلِيمَةً بَعْدَ الْوِتْرِ فَقِيلَ لَا يُصَلُّونَ بِجَمَاعَةٍ وَقِيلَ يُصَلُّونَ بِهَا كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّرَاوِيحِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ اسْتِيعَابُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ بِالتَّرَاوِيحِ فَإِنْ أَخَّرُوهَا إلَى مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِذَا فَاتَتْ التَّرَاوِيحُ لَا تُقْضَى بِجَمَاعَةٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْضَى أَصْلًا فَإِنْ قَضَاهَا وَحْدَهُ كَانَ نَفْلًا مُسْتَحَبًّا لَا تَرَاوِيحَ كَسُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقَوْلُهُ بِجَمَاعَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِسُنَّ بَيَانٌ لِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ سُنَّةً فِيهَا وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ حَتَّى أَنَّ مَنْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُنْفَرِدًا فَقَدْ أَسَاءَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَإِنْ صُلِّيَتْ فِي الْمَسَاجِدِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لِصَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إيَّاهَا بِالْجَمَاعَةِ وَبَيَانُ الْعُذْرِ فِي تَرْكِهَا الثَّانِي مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَالَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ التَّرَاوِيحَ فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا عَظِيمًا يُقْتَدَى بِهِ فَيَكُونُ فِي حُضُورِهِ تَرْغِيبٌ لِغَيْرِهِ

وَفِي امْتِنَاعِهِ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْكَافِي الثَّالِثُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ عَلَى مَا فِي الْكَافِي إنَّ إقَامَتَهَا بِالْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ كُلُّهُمْ الْجَمَاعَةَ فَقَدْ أَسَاءُوا وَأَثِمُوا وَإِنْ أُقِيمَتْ التَّرَاوِيحُ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَتَخَلَّفَ عَنْهَا أَفْرَادُ النَّاسِ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ لَمْ يَكُنْ مُسِيئًا لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ يُرْوَى عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ كَابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْحَدِيثِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ فِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ إذْ لَا يُخْتَارُ الْمَفْضُولُ وَيُجْمِعُونَ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِمَّا لِعُذْرٍ أَوْ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ فِي اجْتِهَادِهِ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ وَهُوَ اتِّفَاقُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى خِلَافِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ اتَّفَقَا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْإِسَاءَةِ بِالتَّرْكِ مِنْ الْبَعْضِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْمَسْجِدِ لِمَا فِي الْكَافِي

وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْجَمَاعَةِ فِي بَيْتِهِ فَضِيلَةً وَلِلْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَضِيلَةً أُخْرَى فَهُوَ حَازَ إحْدَى الْفَضِيلَتَيْنِ وَتَرَكَ الْفَضِيلَةَ الْأُخْرَى انْتَهَى وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا صَلَّى التَّرْوِيحَةَ الْوَاحِدَةَ إمَامَانِ كُلُّ إمَامٍ رَكْعَتَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَلَكِنْ كُلُّ تَرْوِيحَةٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ كَالثَّانِي) صَوَابُهُ كَالْأَوَّلِ كَمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُصَلَّحًا وَمَا بَحَثَهُ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَيُبْتَنَى عَلَى أَنَّهَا تَجُوزُ بَعْدَ الْوِتْرِ أَمْ لَا إنَّهُ إنْ فَاتَتْهُ إلَخْ ثُمَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ اللُّزُومُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّفْرِيعِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بَعْدَ الْوِتْرِ أَمَّا إنْ أُرِيدَ الْأَوْلَوِيَّةُ فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِتْيَانُ بِالْوِتْرِ بِالْجَمَاعَةِ أَمْ فِي الْمَنْزِلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَبْنَى الْكَلَامِ عَلَى اللُّزُومِ فَهُوَ يُؤَكِّدُ أَنَّ الصَّوَابَ فِي الْعِبَارَةِ مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ لَا لُزُومَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِلَافُ مُفَرَّعًا عَلَى الْخِلَافِ فِي وَقْتِهَا فَمَنْ قَالَ لَا يُصَلُّونَ بِجَمَاعَةٍ يَكُونُ قَدْ بَنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَمَنْ قَالَ يُصَلُّونَ بِهَا يَكُونُ قَدْ بَنَاهُ عَلَى الثَّالِثِ وَاسْتَظْهَرَ الثَّانِيَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ قَالَ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي وَقْتِهَا وَقَدْ عَلِمْت مِنْ هَذَا نُكْتَةً اقْتِصَارُهُ عَلَى الثَّالِثِ دُونَ أَنْ يَذْكُرَ مَعَهُ الْأَوَّلَ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ تَصْحِيحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>