فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالظُّهْرِ يَقَعُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَيَقَعُ الْعَصْرُ أَوْ بَعْضُهَا فِيهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ وَعَلَى الثَّانِي يُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَهُ بِصِيغَةِ عِنْدَنَا وَفِي الْمَبْسُوطِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ هَاهُنَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ الثَّانِيَ فَقَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ حُكْمِ الْكِتَابِ وَهُوَ نُقْصَانُ الْوَقْتِيَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اهـ.
فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ يَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَرَجَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا فِي الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ نَاسٍ لِلظُّهْرِ ثُمَّ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ ثُمَّ ذَكَرَ الظُّهْرَ مَضَى فِي الْعَصْرِ قَالَ فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ اهـ.
فَحِينَئِذٍ انْقَطَعَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ حَيْثُ لَمْ تُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَثَبَتَتْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا وَفِي الْمُجْتَبَى إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَدَاءُ الْوَقْتِيَّةِ إلَّا مَعَ التَّخْفِيفِ فِي قَصْرِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَفْعَالِ فَيُرَتِّبُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى أَقَلِّ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ.
(قَوْلُهُ وَالنِّسْيَانُ) أَيْ وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِالنِّسْيَانِ وَهُوَ عَدَمُ تَذَكُّرِ الشَّيْءِ وَقْتَ حَاجَتِهِ وَهُوَ عُذْرٌ سَمَاوِيٌّ مُسْقِطٌ لِلتَّكْلِيفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَلِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتٌ لِلْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ وَمَا لَمْ يَتَذَكَّرْ لَا يَكُونُ وَقْتًا لَهَا وَمِمَّا أُلْحِقَ بِالنِّسْيَانِ الظَّنُّ فَلَيْسَ مُسْقِطًا رَابِعًا كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ فَهُوَ قِسْمَانِ مُعْتَبَرٌ وَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِيهِ فَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الظَّنَّ إنَّمَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُجْتَهِدًا قَدْ ظَهَرَ عِنْدَهُ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَهُوَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ كَالنِّسْيَانِ وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَاكِرًا وَهُوَ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ فَمُجَرَّدُ ظَنِّهِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يُعْتَبَرُ اهـ.
فَجَعَلَ الْمُعْتَبَرَ ظَنَّ الْمُجْتَهِدِ لَا غَيْرَهُ وَذَكَرَ شَارِحُو الْهِدَايَةِ كَصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ قَوِيًّا كَعَدَمِ الطَّهَارَةِ اسْتَتْبَعَ الصَّلَاةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ قَاضِي خَانْ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَكَذَا رَجُلٌ صَلَّى الْعَصْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى فَضْلِ التَّرْتِيبِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ وَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَصْرِ لِمَعْرِفَةِ آخِرِ الْوَقْتِ فَعِنْدَنَا آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ فِي حُكْمِ التَّرْتِيبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَفِي حُكْمِ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ بِغَيْرِ الشَّمْسِ وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ فَعَلَى مَذْهَبِهِ إذَا كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَنَا إذَا كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ وَيَقَعُ كُلُّ الْعَصْرِ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ وَإِنْ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الظُّهْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ لَا يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ لِأَنَّ أَدَاءَ شَيْءٍ مِنْ الظُّهْرِ لَا يَجُوزُ بَعْدَ التَّغَيُّرِ وَمَا بَعْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ لَيْسَ وَقْتًا لِأَدَاءِ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ انْقَطَعَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ بَلْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ بَلْ مُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا فَيُعِينُ تَرْجِيحَ كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ أَصْلَ الْوَقْتِ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ كَوْنُهُ مُوَافِقًا لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ وَإِذَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فَالْعَمَلُ بِمَا وَافَقَ الْمُتُونَ أَوْلَى كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَمْ تُعَدْ بِعَوْدِهَا إلَى الْقِلَّةِ الثَّانِي كَوْنُهُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْآخَرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ بِدَلِيلِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ أَيْ وَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ الْوَقْتِ لَا الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ الثَّالِثُ كَوْنُهُ قَدْ صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى تَصْحِيحِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ لِأَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ الرَّابِعُ كَوْنُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَإِذَا اخْتَلَفَ فِي مَسْأَلَةٍ فَالْعَمَلُ بِمَا قَالَهُ الْأَكْثَرُ أَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ الْبِيرِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ الْخَامِسُ أَنَّ تَصْحِيحَ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِيمَا إذَا لَزِمَ وُقُوعَ الْعَصْرِ فِي وَقْتٍ نَاقِصٍ لَا يَلْزَمُهُ تَصْحِيحُ كَوْنِ الْمُرَادِ الْوَقْتَ الْمُسْتَحَبَّ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ إذْ يَبْعُدُ غَايَةَ الْبَعْدِ أَنْ يُقَالَ بِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ إذَا فَاتَهُ صَلَوَاتٌ وَلَزِمَ مِنْ قَضَائِهَا تَأْخِيرُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ أَوْ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ الْفَائِتَةَ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ يَقُومُ وَيَقْضِيهَا وَإِنْ فَاتَهُ الِاسْتِمَاعُ الْوَاجِبُ فَكَيْفَ لَا يَقْضِيهَا إذَا لَزِمَ فَوَاتُ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ السَّادِسُ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مَا فِي الْمُنْتَقَى نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَا فِي الْمُنْتَقَى لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَقْتِ فَلِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا تَقَعَ الْفَائِتَةُ فِي وَقْتِ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ لِأَنَّ تِلْكَ الْوَقْتَ لَا يَصِحُّ فِيهِ إلَّا عَصْرُ يَوْمِهِ كَمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ قَاضِي خَانْ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هَاهُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ وَإِنْ تَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ عَلَيْهِ حَتَّى الْعَلَائِيِّ شَارِحِ التَّنْوِيرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى مَا قُلْته فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute