للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا صَلَاتَانِ إلْحَاقًا لَهُ بِالنَّاسِي فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَلْحَقَهُ بِنَاسِي التَّعْيِينِ وَهُوَ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ لَمْ يَدْرِ مَا هِيَ وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِجَامِعِ تَحَقُّقِ طَرِيقٍ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ فَيَجِبُ سُلُوكُهَا وَهَذَا الْوَجْهُ يُصَرِّحُ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَهُ فَيَجِبُ الطَّرِيقُ الَّتِي يُعَيِّنُهَا لَا كَمَا قِيلَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمْ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَأَنَّهُ تَخْفِيفٌ عَلَى النَّاسِ لِكَسَلِهِمْ وَإِلَّا فَدَلِيلُهُمَا لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى دَلِيلِهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصَحَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إلَّا بِقَدْرِ مَا تَرَكَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَتْرُوكُ صَلَاتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفَوَائِتَ إذَا كَثُرَتْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِيمَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ نَفْسِهَا كَمَا سَقَطَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَعَلَّلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْكَثْرَةَ إذَا كَانَتْ مُسْقِطَةً لِلتَّرْتِيبِ فِي غَيْرِهَا كَانَتْ مُسْقِطَةً لَهُ فِي نَفْسِهَا بِالطَّرِيقِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَ لَهَا أَثَرٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا فَلَأَنْ يَكُونَ لَهَا أَثَرٌ فِي مَحَلِّهَا أَوْلَى. اهـ.

وَنَصَّ الزَّاهِدِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْفَوَائِتَ لَوْ كَثُرَتْ وَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَهَا فَإِنَّهُ يُرَاعِي التَّرْتِيبَ فِي الْقَضَاءِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَضَى فَائِتَةً ثُمَّ فَائِتَةً فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَوَائِتُ سِتٌّ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ سِتٍّ لَا يَجُوزُ قَضَاءُ الثَّانِيَةِ مَا لَمْ يَقْضِ مَا قَبْلَهَا وَقِيلَ فِي الْفَوَائِتِ إذَا كَثُرَتْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ حَتَّى لَوْ قَضَى ثَلَاثِينَ فَجْرًا ثُمَّ قَضَى ثَلَاثِينَ ظُهْرًا ثُمَّ قَضَى ثَلَاثِينَ عَصْرًا جَازَ اهـ.

وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَوَائِتِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ فِسْقًا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ تَرَكَ فَائِتَةً حَادِثَةً فَإِنَّ الْوَقْتِيَّةَ جَائِزَةٌ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ الْحَادِثَةِ لِانْضِمَامِهَا إلَى الْفَوَائِتِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ وَلِأَنَّ بِالْحَدِيثَةِ ازْدَادَتْ الْكَثْرَةُ فَيَتَأَكَّدُ السُّقُوطُ وَلِأَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهَذِهِ الْفَائِتَةِ لَكَانَ تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْكُلِّ تَفُوتُ الْوَقْتِيَّةُ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْمُسْقَطَ الْفَوَائِتُ الْحَدِيثَةُ وَأَمَّا الْقَدِيمَةُ فَلَا تَسْقُطُ وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ بِالصَّلَوَاتِ فَلَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِهَا وَصَحَّحَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَفِي الْكَافِي وَالْمِعْرَاجِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْفَتْوَى كَمَا رَأَيْت وَالْعَمَلُ بِمَا وَافَقَ إطْلَاقَ الْمُتُونِ أَوْلَى خُصُوصًا أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُؤَدِّي إلَى التَّهَاوُنِ لَا إلَى زَجْرِهِ عَنْهُ فَإِنَّ مَنْ اعْتَادَ تَفْوِيتَ الصَّلَوَاتِ لَوْ أَفْتَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ يُفَوِّتُ أُخْرَى ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى تَبْلُغَ الْحَدِيثَةُ حَدَّ الْكَثْرَةِ كَمَا فِي الْكَافِي.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يُعِدْ بِعَوْدِهَا إلَى الْقِلَّةِ) أَيْ لَمْ يُعِدْ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ بِعَوْدِ الْفَوَائِتِ إلَى الْقِلَّةِ بِسَبَبِ الْقَضَاءِ بَعْدَ سُقُوطِهِ بِكَثْرَتِهَا كَمَا إذَا تَرَكَ رَجُلٌ صَلَاةَ شَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ قَضَاهَا إلَّا صَلَاةً ثُمَّ صَلَّى الْوَقْتِيَّةَ ذَاكِرًا لَهَا فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ لِأَنَّ السَّاقِطَ قَدْ تَلَاشَى فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا تَنَجَّسَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْجَارِي حَتَّى كَثُرَ وَسَالَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْقِلَّةِ لَا يَعُودُ نَجَسًا وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ حَيْثُ قَالَا وَمَتَى سَقَطَ التَّرْتِيبُ لَمْ يُعِدْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي الْكَافِي وَالْمُحِيطِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقِيلَ يَعُودُ التَّرْتِيبُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ عَوْدِ السَّاقِطِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ زَوَالِ الْمَانِعِ كَحَقِّ الْحَضَانَةِ إذَا ثَبَتَ لِلْأُمِّ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ فَإِنَّهُ يَعُودُ لَهَا وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ مُسْتَدِلًّا بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَجَعَلَ يَقْضِي مِنْ الْغَدِ مَعَ كُلِّ وَقْتِيَّةٍ فَائِتَةً فَالْفَوَائِتُ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍّ وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ

ــ

[منحة الخالق]

لِاحْتِمَالِ تَعْلِيلِ لِلتَّعْلِيلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ الثَّانِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>