للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْمَفْعُولِ وَقَوْلُهُ إنَّ التَّكْثِيرَ فِي الْمَفْعُولِ يَسْتَدْعِي كَثْرَةَ الْمَفْعُولِ مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ لَا تَكْثِيرَ فِيهِ كَمَوْتِ الْإِبِلَ أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْفِعْلِ تَكْثِيرٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَّلَ لِلتَّكْثِيرِ فِي الْمَفْعُولِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ وَاحِدًا كَقَطَّعْتُ الثَّوْبَ، فَإِنَّ التَّكْثِيرَ فِيهِ لِلتَّكْثِيرِ فِي الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ وَاحِدًا وَطَهَّرَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّك تَقُولُ طَهَّرْت الْبَدَنَ يَشْهَدُ لِهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ الْجَارْبُرْدِيُّ فِي شَرْحِ الشَّافِيَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي التَّصْرِيفِ بِمَا لَفْظُهُ قَوْلُهُ وَفَعَّلَ لِلتَّكْثِيرِ، وَهُوَ إمَّا فِي الْفِعْلِ نَحْوُ حَوَّلْت وَطَوَّفْت أَوْ فِي الْفَاعِلِ نَحْوُ مَوَّتَّ الْإِبِلَ أَوْ فِي الْمَفْعُولِ نَحْوُ غَلَّقْت الْأَبْوَابَ

فَإِنْ فُقِدَ ذَلِكَ لَمْ يَسُغْ اسْتِعْمَالُهُ فَلِذَلِكَ كَانَ مَوَّتَّ الشَّاةَ لِشَاةٍ وَاحِدَةٍ خَطَأً؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يَسْتَقِيمُ تَكْثِيرُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّاةِ إذْ لَا يَسْتَقِيمُ تَكْثِيرُهَا وَهِيَ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ ثَمَّ مَفْعُولٌ لِيَكُونَ التَّكْثِيرُ لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ هَذَا بِخِلَافِ قَوْلِك قَطَعْت الثَّوْبَ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ وَاحِدًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُفَصَّلِ وَلَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا مَا لَمْ يَسْتَقِمْ فِيهِ تَكْثِيرُ الْفِعْلِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِدْخَالُ الْمَاءِ دَاخِلَ الْجِلْدَةِ لِلْأَقْلَفِ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَى الَّذِي لَمْ يَخْتَتِنْ أَنْ يُدْخِلَ الْمَاءَ دَاخِلَ الْجِلْدَةِ فِي غُسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا لِلْحَرَجِ الْحَاصِلِ لَوْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ لَا لِكَوْنِهِ خِلْقَةً كَقَصَبَةِ الذَّكَرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى الْقُلْفَةِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَجَعَلُوهُ كَالْخَارِجِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَفِي حَقِّ الْغُسْلِ كَالدَّاخِلِ حَتَّى لَا يَجِبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ، وَقَالَ الْكُرْدِيُّ: يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ. اهـ. فَإِنَّ هَذَا الْإِشْكَالَ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ تَعْلِيلِهِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِأَنَّهُ خِلْقَةٌ كَقَصَبَةِ الذَّكَرِ، وَأَمَّا عَلَى مَا عَلَّلْنَا بِهِ تَبَعًا لِفَتْحِ الْقَدِيرِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ أَصْلًا لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ وَصُحِّحَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْخَالِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ إدْخَالَ الْمَاءِ دَاخِلَهَا مُسْتَحَبٌّ كَمَا أَنَّ الدَّلْكَ مُسْتَحَبٌّ لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بِكَوْنِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِهَا سَابِقَةً فِي الْوُجُودِ عَلَى مَا بَعْدَهَا فَهِيَ بِالدَّلْكِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ السَّبْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ.

(قَوْلُهُ: وَسُنَنُهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ وَفَرْجَهُ

ــ

[منحة الخالق]

الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ وَاحِدًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ إذْ كَيْفَ يَكُونُ التَّكْثِيرُ فِي الْمَفْعُولِ وَالْمَفْعُولُ وَاحِدٌ بَلْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ التَّرْكِيبُ إلَّا أَنْ يَسْتَقِيمَ فِيهِ تَكْثِيرُ الْفِعْلِ كَمَا كَتَبَهُ بِيَدِهِ فِي آخِرِ كَلَامِ الْجَارْبُرْدِيِّ عَنْ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ فَيَكُونُ مِنْ التَّكْثِيرِ فِي الْفِعْلِ لَا الْمَفْعُولِ؛ وَلِذَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الرَّضِيُّ: فِي شَرْحِ الشَّافِيَةِ تَقُولُ ذَبَحْت الشَّاةَ وَلَا تَقُولُ ذَبَّحْتُهَا وَأَغْلَقْت الْبَابَ مَرَّةً وَلَا تَقُولُ لَا غَلَّقْته بَلْ تَقُولُ ذَبَحْت الْغَنَمَ وَغَلَّقْت الْأَبْوَابَ اهـ.

وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ قَطَّعْت الثَّوْبَ فِيهِ تَكْثِيرُ الْمَفْعُولِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ بِمَنْزِلَةِ مَفْعُولٍ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى بُعْدُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَفْعُولًا اصْطِلَاحِيًّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِدُ بِهِ نَفْعًا فِي مُدَّعَاهُ؛ لِأَنَّ طَهَّرْت الْبَدَنَ لَيْسَ نَظِيرَهُ بَلْ مِثْلُ ذَبَّحْت الشَّاةَ وَقَدْ عَلِمْت امْتِنَاعَ صِيغَةِ التَّفَعُّلِ فِيهِ مَعَ أَنَّ الشَّارِحَ كَتَبَهُ بِيَدِهِ

فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ طَهَّرْت الْبَدَنَ لَيْسَ نَظِيرَ قَطَّعْت الثَّوْبَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي حَمَلْت كَلَامَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ طَهُرَ بِمَنْزِلَةِ مَفْعُولٍ مُسْتَقِلٍّ فَهُوَ نَظِيرُهُ قُلْت لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُصَحَّحَ عَدَمُ تَجَزِّي الطَّهَارَةِ فَلَا يُوصَفُ الْعُضْوُ بِالطَّهَارَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا، وَأَمَّا الْخَامِسُ فَلِأَنَّ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ مِنْ كَلَامِ الْمُحَقِّقِ الْجَارْبُرْدِيِّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّهُ لِلتَّكْثِيرِ فِي الْمَفْعُولِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَشْهَدُ لَهُ بَلْ فِيهِ مَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ هَذَا بِخِلَافِ قَوْلِك قَطَّعْت الثَّوْبَ، فَإِنَّهُ سَائِغٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَائِغٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّكْثِيرِ فِي الْفِعْلِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ كَوْنُ الْمَفْعُولِ فِيهِ وَاحِدًا، وَهُوَ الثَّوْبُ وَلِهَذَا نُقِلَ بَعْدَهُ تَأْوِيلُ عِبَارَةِ الْمُفَصَّلِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهَا لَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِصِيغَةِ التَّفَعُّلِ فِي هَذَا الْمِثَالِ فَحَمَلَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إذَا لَمْ يَسْتَقِمْ فِيهِ تَكْثِيرُ الْفِعْلِ مِثْلُ ذَبَّحْت الشَّاةَ لَا إذَا اسْتَقَامَ مِثْلُ قَطَّعْت الثَّوْبَ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْجَارْبُرْدِيُّ تَوْطِئَةً لِرَدِّ مَا نَقَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ الشَّافِيَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْثِيرِ فِي الْمَفْعُولِ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ غَلَّقْت بِالتَّضْعِيفِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَفْعُولُ جَمْعًا حَتَّى لَوْ كَانَ وَاحِدًا وَغَلَّقَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا غَلَقَ بِلَا تَضْعِيفٍ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ اهـ.

قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ، وَهَذَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ اهـ.

وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ التَّكْثِيرِ فِي الْفِعْلِ أَيْضًا ثُمَّ إنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَارْبُرْدِيِّ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ وَاحِدًا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَأَنَّ الصَّوَابَ وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ وَاحِدًا تَأَمَّلْ وَبِمَا تَلَوْنَا عَلَيْك عَلِمْت عَدَمَ اسْتِقَامَةِ هَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَلَا بِدْعَ، فَإِنَّهُ لَا عِصْمَةَ إلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ) عَنْ هَذَا نَشَأَ مَا فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ لِلْحَصْكَفِيِّ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ فَسْخُ الْقُلْفَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ يَجِبُ، وَإِلَّا لَا اهـ.

وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْمُخْتَارُ مَشَى الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَتْنِهِ نُورِ الْإِيضَاحِ وَفِي حَاشِيَته عَلَى الدُّرَرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>