للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَمْكُثَ سَاعَةً بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقُومُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَهُوَ إلَيْهِ أَقْرَبُ عَادَ وَإِلَّا لَا) أَيْ إلَى الْقُعُودِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَقْرُبُ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ كَفِنَاءِ الْمِصْرِ وَحَرِيمِ الْبِئْرِ فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْقُعُودِ بِأَنْ رَفَعَ أَلْيَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ وَرَكِبَتَاهُ عَلَيْهَا أَوْ مَا لَمْ يَنْتَصِبْ النِّصْفُ الْأَسْفَلُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ أَصْلًا فَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ فَكَأَنَّهُ قَدْ قَامَ وَهُوَ فَرْضٌ قَدْ تَلَبَّسَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ رَفْضُهُ لِأَجْلِ وَاجِبٍ وَهُوَ الْقَعْدَةُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى وَارْتَضَاهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَفِي الْكَافِي وَاسْتَحْسَنَ مَشَايِخُنَا رِوَايَتَهُ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ إذَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا يَعُودُ وَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا لَا يَعُودُ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَامَ مِنْ الثَّانِيَةِ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فَسَبَّحُوا بِهِ فَعَادَ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ وَكَانَ بَعْدَمَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَتَمَّ قَائِمًا اشْتَغَلَ بِفَرْضِ الْقِيَامِ فَلَا يُتْرَكُ. اهـ.

وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِالْحَمْلِ عَلَى حَالَتَيْ الْقُرْبِ مِنْ الْقِيَامِ وَعَدَمِهِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْهُ بِالْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ وَعَدَمِهِ ثُمَّ لَوْ عَادَ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ عَدَمِهِ اخْتَلَفُوا فِي فَسَادِ صَلَاتِهِ فَصَحَّحَ الشَّارِحُ الْفَسَادَ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِرَفْضِ الْفَرْضِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِأَجْلِ مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ وَفِي الْمُبْتَغَى بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَنَّهُ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَرْكٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَأْخِيرٌ كَمَا لَوْ سَهَا عَنْ السُّورَةِ فَرَكَعَ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الرُّكُوعَ وَيَعُودُ إلَى الْقِيَامِ وَيَقْرَأُ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ وَكَمَا لَوْ سَهَا عَنْ الْقُنُوتِ فَرَكَعَ فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ وَقَنَتَ لَا تَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدْ يُقَالُ أَنَّهُ لَوْ عَادَ وَقَرَأَ السُّورَةَ صَارَتْ السُّورَةُ فَرْضًا فَقَدْ عَادَ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ وَالْقُنُوتُ لَهُ شُبْهَةُ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَى مَا قِيلَ أَنَّهُ كَانَ قُرْآنًا فَنُسِخَ فَقَدْ عَادَ إلَى مَا فِيهِ شُبْهَةُ الْقُرْآنِيَّةِ أَوْ عَادَ إلَى فَرْضٍ وَهُوَ الْقِيَامُ فَإِنَّ كُلَّ رُكْنٍ طُولُهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ فَرْضًا كُلُّهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي النَّفْسِ مِنْ التَّصْحِيحِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَنْ تَكُونَ زِيَادَةَ قِيَامِ مَا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ فَهُوَ بِالصِّحَّةِ لَا يَخْلُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ رَكْعَةٍ لَا يَفْسُدُ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِاقْتِرَانِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِالرَّفْضِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُسْتَحَقُّ لُزُومُ الْإِثْمِ أَيْضًا بِالرَّفْضِ أَمَّا الْفَسَادُ فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ اسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ فَتَرَجَّعَ بِهَذَا الْبَحْثِ الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لِلْمُصَحِّحِ اهـ.

فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى تَصْحِيحٍ آخَرَ وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمُجْتَبَى وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهُ لَوْ عَادَ بَعْدَ الِانْتِصَابِ مُخْطِئًا قِيلَ يَتَشَهَّدُ لِنَقْضِهِ الْقِيَامَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ وَيَقُومُ وَلَا يَنْتَقِضُ قِيَامُهُ بِقُعُودٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كَمَنْ نَقَضَ الرُّكُوعَ بِسُورَةٍ لَا يَنْتَقِضُ رُكُوعُهُ اهـ.

فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا رَأَيْت وَالْحَقُّ

ــ

[منحة الخالق]

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ إلَيْهِ أَقْرَبُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمُ مَعْمُولِ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَهُمْ وَجَوَّزَهُ صَدْرُ الْأَفَاضِلِ تَوْسِعَةً

(قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ) أَقُولُ: وَنَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْبُرْهَانِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي مَتْنِهِ نُورِ الْإِيضَاحِ وَكَذَا تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ فِي مَتْنِهِ التَّنْوِيرِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَخْ) ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ أَيْضًا وَقَالَ بَعْدَهُ وَلَا غَلَطَ فِي كَلَامِهِمْ إنْ أَرَادُوا تَرْكًا مُقَيَّدًا بِذَلِكَ الْوَقْتِ لَيْسَ تَرْكًا بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ مَعْنَى التَّأْخِيرِ فَتَأَمَّلْ اهـ.

وَحَاصِلُهُ إبْدَاءُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَوْدِ إلَى الْقُعُودِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَالْعَوْدِ إلَى الْقِيَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا بِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى الْقِيَامِ عَوْدٌ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ بِخِلَافِ عَوْدِهِ إلَى الْقُعُودِ لَكِنْ يُجَابُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقُنُوتِ لَمْ يَعُدْ إلَى فَرْضٍ لِأَنَّ رُكُوعَهُ لَمْ يُرْتَفَضْ فَقِيَامُهُ بَعْدَهُ لَيْسَ قِيَامَ فَرْضٍ بَلْ هُوَ قِيَامُ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَهُوَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ فَكَانَ فِي قِرَاءَتِهِ لِلْقُنُوتِ تَأْخِيرُ فَرْضِ لَا تَرْكُهُ فَهُوَ نَظِيرُ عَوْدِهِ إلَى الْقُعُودِ (قَوْلُهُ وَالْقُنُوتُ لَهُ شُبْهَةُ الْقُرْآنِيَّةِ إلَخْ) هَذَا مُسَلَّمٌ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءَهُ الْمَخْصُوصَ الَّذِي قِيلَ إنَّهُ كَانَ سُورَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ فَنُسِخَ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْوَاجِبُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِهِ كَمَا مَرَّ فِي مَحِلِّهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ التَّصْحِيحِ) أَيْ مِنْ تَصْحِيحِ الزَّيْلَعِيِّ الْفَسَادَ

(قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: صَرَّحَ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي التَّشَهُّدِ وَعَدَمِهِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفَسَادِ وَتَرْجِيحُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرْجِيحَ عَدَمِ الْفَسَادِ ظَاهِرًا نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ رَأَيْت بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ نِظَامِ الدِّينِ السِّيرَامِيِّ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْفَسَادِ ثُمَّ قَالَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ قَوْلَ الْمُحَقِّقِ غَايَةَ مَا وُجِدَ إلَخْ بِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَأْتِ مِنْ قِبَلِ الزِّيَادَةِ بَلْ مِنْ رَفْضِ الرُّكْنِ لِلْوَاجِبِ وَاَلَّذِي رَأَيْته مَنْقُولًا عَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِابْنِ عَوْفٍ وَالزَّوْزَنِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ وَأَنَّهُ فِي الِاسْتِوَاءِ قَائِمًا لَا خِلَافَ فِي الْفَسَادِ اهـ.

وَقَدْ نَقَلَ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ شَرْحَيْ الْقُدُورِيِّ لِلْمَذْكُورَيْنِ بَعْدَ نَقْلِهِ تَصْحِيحَ الصِّحَّةِ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَالدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ إنْ عَادَ لِلْقُعُودِ يَكُونُ مُسِيئًا وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ اهـ.

وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ وَيُوَافِقُهُ أَيْضًا فِي الْقُنْيَةِ تَرْكُ الْقَعْدَةِ الْأُولَى فِي الْفَرْضِ فَلَمَّا قَامَ عَادَ إلَيْهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْقُعُودُ يَقُومُ فِي الْحَالِ وَفِيهَا أَيْضًا وَلَوْ عَادَ الْإِمَامُ يَعْنِي إلَى الْقَعْدَةِ الْأُولَى بَعْدَمَا قَامَ لَا يَعُودُ

<<  <  ج: ص:  >  >>