للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَرْكَعَ بِالسَّجْدَةِ نَفْسِهَا هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ قَالَ أَمَّا فِي الْقِيَاسِ فَالرُّكُوعُ فِي ذَلِكَ، وَالسَّجْدَةُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ صَلَاةٌ وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْسَانِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْجُدَ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ اهـ.

وَحَاصِلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ مُلَخَّصًا أَنَّ الْمَتْلُوَّةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ تُؤَدَّى عَلَى نَعْتِ سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ الْمَتْلُوَّةِ فِي الصَّلَاةِ، الْأَفْضَلُ أَنْ يَسْجُدَ لَهَا ثُمَّ إذَا سَجَدَ وَقَامَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ كَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ سَوَاءٌ كَانَ آيَةُ السَّجْدَةِ فِي وَسَطِ السُّورَةِ أَوْ عِنْدَ خَتْمِهَا، وَبَقِيَ بَعْدَهَا إلَى الْخَتْمِ قَدْرُ آيَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ ثُمَّ يَرْكَعَ فَيَنْظُرَ إنْ كَانَتْ الْآيَةُ فِي الْوَسَطِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتِمَهَا ثُمَّ يَرْكَعَ، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الْخَتْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يَرْكَعَ، وَإِنْ كَانَ بَقِيَ إلَى الْخَتْمِ قَدْرُ آيَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ كَمَا فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ بَقِيَّةَ السُّورَةِ ثُمَّ يَرْكَعَ، فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا سُورَةً أُخْرَى فَهُوَ أَفْضَلُ، وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ، وَإِنَّمَا رَكَعَ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ وَالتَّفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَعَانِي فَقِيَاسٌ، وَمَا خَفِيَ فَاسْتِحْسَانٌ وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْخَفِيِّ لِخَفَائِهِ وَلَا لِلظَّاهِرِ لِظُهُورِهِ فَيُرْجَعُ إلَى طَلَبِ الرُّجْحَانِ إلَى مَا اقْتَرَنَ بِهِمَا مِنْ الْمَعَانِي فَمَتَى قَوِيَ الْخَفِيُّ أَخَذُوا بِهِ وَمَتَى قَوِيَ الظَّاهِرُ أَخَذُوا بِهِ وَهَاهُنَا قَوِيَ دَلِيلُ الْقِيَاسِ فَأَخَذُوا بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا أَجَازَا أَنْ يَرْكَعَ عَنْ السُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ غَيْرِهِمَا خِلَافُهُ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فَذَكَرَ الْعَامَّةُ أَنَّهُ فِي إقَامَةِ الرُّكُوعِ مَقَامَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ خَارِجُ الصَّلَاةِ بِأَنْ تَلَاهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَرَكَعَ، وَلَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ بَلْ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يُجْعَلْ قُرْبَةً فَلَا يَنُوبُ مَنَابَ الْقُرْبَةِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ السَّجْدَةَ الصُّلْبِيَّةَ هِيَ الَّتِي تَقُومُ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَا الرُّكُوعِ وَيَرُدُّهُ مَا صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ، وَلَوْ لَمْ يَرْكَعْ حَتَّى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ نَوَاهُ عَنْ السَّجْدَةِ، وَكَذَا السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ لَا تَنُوبُ عَنْهَا إذَا طَالَتْ الْقِرَاءَةُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا لِوُجُوبِهَا مُضَيِّقًا وَالدَّيْنُ يُقْضَى بِمَا لَهُ لَا بِمَا عَلَيْهِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الدَّيْنُ وَإِذَا لَمْ تَطُلْ الْقِرَاءَةُ لَا يَحْتَاجُ الرُّكُوعُ أَوْ السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ فِي إقَامَتِهَا عَنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ إلَى النِّيَّةِ فَالْفَرْضُ يَنُوبُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يُنْوَ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ مِنْهُ عِنْدَ الرُّكُوعِ لَا يُجْزِئُهُ، وَلَوْ نَوَى فِي الرُّكُوعِ فِيهِ قَوْلَانِ، وَلَوْ نَوَى بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لَمْ يُقَدِّرُوا لِطُولِ الْقِرَاءَةِ شَيْئًا فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ فَوَّضُوا ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إنْ قَرَأَ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ لَمْ تَطُلْ وَإِنْ قَرَأَ ثَلَاثًا طَالَتْ وَصَارَتْ بِمَحَلِّ الْقَضَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّلَاثَ لَا تُعْدِمُ الْفَوْرَ اهـ.

وَاخْتَارَ قَاضِي خان أَنَّ الرُّكُوعَ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَنُوبُ عَنْهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا يَنُوبُ الرُّكُوعُ عَنْهَا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا النِّيَّةُ وَالثَّانِي أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَ التِّلَاوَةِ وَالرُّكُوعِ ثَلَاثُ آيَاتٍ إلَّا إذَا كَانَتْ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ مِنْ آخَرِ السُّورَةِ كَبَنِي إسْرَائِيلَ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ اهـ.

وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا رَكَعَ عَلَى الْفَوْرِ لِلصَّلَاةِ وَسَجَدَ هَلْ الْمُجْزِئُ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ فَقِيلَ الرُّكُوعُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ، وَقِيلَ السُّجُودُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ بِدُونِ النِّيَّةِ لَا يُجْزِئُ، وَفِي السُّجُودِ اخْتِلَافٌ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا تَلَا الْفَاتِحَةَ وَعِشْرِينَ آيَةً مَثَلًا، آخِرُهَا آيَةُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ بِإِجْمَاعِ الَّذِينَ شَرَطُوا النِّيَّةَ فِي نِيَابَتِهِ عَنْهَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ قَاضِي خان إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَالْمَرْوِيُّ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ.

لَكِنْ فِي نُسْخَتَيْ الْبَزَّازِيَّةِ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ، وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ إنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَإِنَّهُ قَالَ رُوِيَ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ هَلْ الْمُجْزِي عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الرُّكُوعُ مَعَ النِّيَّةِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَعَيُّنُ أَنَّ الْمُجْزِي هُوَ السُّجُودُ، يَدُلُّ هَلْ مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ هَذَا التَّرْدِيدَ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الرُّكُوعَ لَا يَنُوبُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي السُّجُودِ تَأَمَّلْ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَفِي السُّجُودِ اخْتِلَافٌ) أَيْ اخْتِلَافٌ فِي أَجْزَائِهِ بِدُونِ النِّيَّةِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ لَا يَنُوبُ مَا لَمْ يَنْوِ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا النِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَأَمَّا الرُّكُوعُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَنُوبُ بِدُونِ النِّيَّةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُحِيطِ لَكِنْ قَدْ مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى النِّيَّةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعُوا أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ تَتَأَدَّى بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التِّلَاوَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّكُوعِ، وَقَدْ نُقِلَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْبَدَائِعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى إجْزَاءِ الصُّلْبِيَّةِ بِدُونِ نِيَّةٍ فَتَوَافَقَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَدَائِعِ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا فِي الْمُحِيطِ فِي الْفَصْلَيْنِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ عِبَارَةَ الْبَدَائِعِ بِطُولِهَا، وَفِي آخِرِهَا التَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي إيقَاعِ الصُّلْبِيَّةِ عَنْ التِّلَاوَةِ فِيمَا إذَا لَمْ تَطُلْ الْقِرَاءَةُ عَلَى مَا هُوَ أَصْلُ الصُّورَةِ ثُمَّ قَالَ فَلَمْ يَصِحَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>