للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْأَمَاكِنِ إذْ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ دَلِيلُ اتِّحَادِ الْمَكَانِ قَالُوا إذَا كَانَ مَعَهُ غُلَامٌ يَمْشِي، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ رَاكِبًا وَكَرَّرَهَا تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ عَلَى الْغُلَامِ دُونَ الرَّاكِبِ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ كَرَّرَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَكْفِيَهُ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَلْزَمَهُ لِكُلِّ تِلَاوَةٍ سَجْدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي رَجَعَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ الِاسْتِحْسَانِ إلَى الْقِيَاسِ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الرَّهْنَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّالِثَةُ إذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَاخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ أَنْ يُخَيَّرَ الْمَوْلَى ثَانِيًا، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُخَيَّرُ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ وَقَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ سَمِعَهَا الْمُصَلِّي الرَّاكِبُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ سَارَتْ الدَّابَّةُ ثُمَّ سَمِعَهَا ثَانِيًا عَلَيْهِ سَجْدَتَانِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ، وَلَوْ سَارَتْ الدَّابَّةُ ثُمَّ نَزَلَ فَتَلَاهَا أُخْرَى يَلْزَمُهُ أُخْرَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

وَاعْلَمْ أَنَّ تَكْرَارَ الْوُجُوبِ فِي التَّسْدِيَةِ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَادِ فِي بِلَادِهِمْ مِنْ أَنَّهَا أَنْ يَغْرِسَ الْحَائِكُ خَشَبَاتٍ يُسَوِّي فِيهَا السَّدَى ذَاهِبًا وَآيِبًا أَمَّا عَلَى مَا هِيَ بِبِلَادِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَغَيْرِهَا بِأَنْ يُدَبِّرَهَا عَلَى دَائِرَةٍ عُظْمَى، وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَجْلِسِ حَقِيقِيٌّ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ، وَحُكْمِيٌّ بِاخْتِلَافِ الْفِعْلِ، وَلَوْ تَبَدَّلَ مَجْلِسُ السَّامِعِ دُونَ التَّالِي تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ عَلَى السَّامِعِ وَاخْتَلَفُوا فِي عَكْسِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ عَلَى السَّامِعِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ، وَلَمْ يَتَبَدَّلْ مَجْلِسُهُ فِيهِ، وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ شَرْطٌ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ لَا الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَعَ اتِّحَادِ مَجْلِسِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ تَعَدُّدَ التِّلَاوَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي حَقِّ التَّالِي حُكْمًا لِاتِّحَادِ مَجْلِسِهِ لَا حَقِيقَةً فَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي حَقِّ السَّامِعُ فَاعْتُبِرَتْ حَقِيقَةُ التَّعَدُّدِ فَتَكَرَّرَ الْوُجُوبُ فَعَلَى هَذَا يَتَكَرَّرُ عَلَى السَّامِعِ إمَّا بِتَبَدُّلِ مَجْلِسِهِ أَوْ بِتَبَدُّلِ مَجْلِسِ التَّالِي، وَفِي الْقُنْيَةِ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ وَيُرِيدُ أَنْ يُكَرِّرَهَا لِلتَّعْلِيمِ فِي الْمَجْلِسِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُبَادِرَ فَيَسْجُدَ ثُمَّ يُكَرِّرَ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُكَرِّرَهَا ثُمَّ يَسْجُدَ آخِرًا لِمَا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إنَّ التَّدَاخُلَ فِي الْحُكْمِ لَا فِي السَّبَبِ حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِلْأُولَى ثُمَّ أَعَادَهَا لَزِمَتْهُ أُخْرَى كَحَدِّ الشُّرْبِ وَالزِّنَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى فَالِاحْتِيَاطُ عَلَى هَذَا التَّأْخِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا، وَلَوْ صَلَّيَا عَلَى الدَّابَّةِ فَقَرَأَ أَحَدُهُمَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً، وَالْآخَرُ فِي صَلَاتِهِ مَرَّتَيْنِ وَسَمِعَ كِلَاهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَعَلَى مَنْ تَلَاهَا مَرَّتَيْنِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا كَرَّرَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الثَّانِي هِيَ وَاحِدَةٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الِانْتِقَالُ مِنْ رَكْعَةٍ إلَى أُخْرَى يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّدَاخُلِ يُؤَدِّي إلَى إخْلَاءِ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَتَفْسُدُ قُلْنَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الِاتِّحَادِ بُطْلَانُ الْعَدَدِ فِي حَقِّ حُكْمٍ آخَرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ قَوْلِ الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ فِي السِّرَاجِ جَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا صَلَّى بِغَيْرِ الْإِيمَاءِ أَمَّا بِهِ فَإِنْ لِمَرَضٍ فَلَا وَإِنْ لِكَوْنِهِ عَلَى الدَّابَّةِ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَتَكَرَّرُ وَآخَرُونَ لَا، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ مَا عُلِّلَ بِهِ لِمُحَمَّدٍ يُفِيدُ تَقْيِيدَ الصَّلَاةِ بِالنَّفْلِ وَالْوِتْرِ مُطْلَقًا، وَفِي الْفَرْضِ بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَمَّا بَعْدَ أَدَاءِ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكْفِيَهُ وَاحِدَةٌ إذْ الْمَانِعُ مِنْ التَّدَاخُلِ مُنْتَفٍ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهَذَا الْبَحْثُ مَنْقُولٌ فَفِي السِّرَاجِ لَوْ أَعَادَهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَكْفِيَهُ وَاحِدَةٌ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ اهـ.

(قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَجْلِسِ حَقِيقِيٌّ إلَخْ) ، وَكَذَا اتِّحَادُهُ حَقِيقِيٌّ كَالْبَيْتِ وَنَحْوِهِ وَحُكْمِيٌّ كَمَا لَوْ أَكَلَ لُقْمَتَيْنِ أَوْ مَشَى خُطْوَتَيْنِ كَمَا فِي النَّهْرِ

(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْأَوْلَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمُبَادَرَةُ أَوْلَى فِي الْعِبَادَةِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ قَوْلُ الْبَعْضِ لِضَعْفِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الظَّاهِرِ تَأَمَّلْ اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَقَالَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مُحْتَمَلُ الذَّهَابِ قَبْلَ التَّمَامِ كَمَا يُتَّفَقُ فِي الدُّرُوسِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا لَا يَأْتِي بِهَا، وَقَدْ يُتَوَهَّمُ لِعَدَمِ سُجُودِ الْمُعَلِّمِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُبَادِرَ (قَوْلُهُ فَعَلَى مَنْ تَلَاهَا مَرَّتَيْنِ سَجْدَةً وَاحِدَةً إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ غَيْرُ السَّجْدَةِ الصَّلَاتِيَّةِ إذْ لَا كَلَامَ فِي وُجُوبِهَا وَقَوْلُهُ: وَعَلَى صَاحِبِهِ سَجْدَتَانِ أَيْ خَارِجَ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ وَهَذِهِ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَكَلَامُ هَذَا الشَّارِحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ سَجْدَةٌ خَارِجِيَّةٌ فَقَطْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.

قُلْت: وَهَذَا الْحَمْلُ يُرْشِدُ إلَيْهِ تَعْبِيرُ قَاضِي خان حَيْثُ فَصَّلَ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ، وَمَا يَجِبُ خَارِجَهَا وَقَدْ اخْتَارَ خِلَافَ مَا فِي الْقُنْيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَلْزَمُهُ بِقِرَاءَةِ صَاحِبِهِ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ؛ لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى مَكَانِ السَّامِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>