لَا يَلْزَمُهُ
وَوَفَّقَ الزَّاهِدُ السَّرَخْسِيُّ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ الْكَلَامِ وَحَمْلِ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَهُ فَلَوْ لَمْ يَسْجُدْهَا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى سَجَدَهَا الْآنَ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَجْزَأَهُ هَاهُنَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ كَرَّرَهَا فِي الصَّلَاةِ وَسَجَدَ إذْ لَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ قَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ بِالْكَلَامِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَصَحَّحَ التَّوْفِيقُ فِي الْمُحِيطِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ تُقْضَى بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ لِحُرْمَتِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُمْ الصَّلَاتِيَّةُ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا بِهَذَا وَأَنْ يُرَادَ بِالْخَارِجِ الْخَارِجُ عَنْ حُرْمَتِهَا (قَوْلُهُ كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ لَا فِي مَجْلِسَيْنِ) فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ وَاحِدَةٌ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنْ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَنْزِلُ بِالْوَحْيِ فَيَقْرَأُ آيَةَ السَّجْدَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُولُ اللَّهِ كَانَ يَسْمَعُ وَيَتَلَقَّنُ ثُمَّ يَقْرَأُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَكَانَ لَا يَسْجُدُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً» ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَلِأَنَّ فِي إيجَابِ السَّجْدَةِ لِكُلِّ تِلَاوَةٍ حَرَجًا خُصُوصًا لِلْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِالنَّصِّ قُيِّدَ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ سَمِعَهُ أَوْ ذَكَرَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فِيهَا اخْتِلَافٌ فَبَعْضُهُمْ قَاسَهَا عَلَيْهَا وَبَعْضُهُمْ مَنَعَهُ وَأَوْجَبَهَا لِكُلِّ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلَا تَدَاخُلَ فِيهَا، وَهُوَ جَفَاءٌ لَهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَهُ وَأَمَّا تَشْمِيتُ مَنْ عَطَسَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فَأَوْجَبَهُ بَعْضُهُمْ كُلَّ مَرَّةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لَا يُشَمِّتُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلْعَاطِسِ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ قُمْ فَانْتَثَرَ فَإِنَّك مَزْكُومٌ
وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ تَعْظِيمِ اسْمِهِ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا تَلَا مِرَارًا ثُمَّ سَجَدُوا مَا إذَا تَلَا وَسَجَدَ ثُمَّ تَلَا بَعْدَهُ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَدَاخُلٌ فِي السَّبَبِ دُونَ الْحُكْمِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَجْعَلَ التِّلَاوَةَ الْمُتَعَدِّدَةَ كَتِلَاوَةٍ وَاحِدَةٍ تَكُونُ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا سَبَبًا وَالْبَاقِي تَبَعٌ لَهَا وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْعِبَادَاتِ إذْ السَّبَبُ مَتَى تَحَقَّقَ لَا يَجُوزُ تَرْكُ حُكْمِهِ؛ وَلِهَذَا يُحْكَمُ بِوُجُوبِهَا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُكْمِ أَلْيَقُ فِي الْعُقُوبَاتِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ فَهُوَ يَنْزَجِرُ بِوَاحِدَةٍ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِيَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّدَاخُلَ فِي السَّبَبِ يَنُوبُ فِيهِ الْوَاحِدَةُ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا، وَفِي التَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ لَا تَنُوبُ إلَّا عَمَّا قَبْلَهَا حَتَّى لَوْ زَنَى ثُمَّ زَنَى فِي الْمَجْلِسِ يُحَدُّ ثَانِيًا بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ إذَا أُقِيمَ مَرَّةً ثُمَّ قَذَفَهُ مِرَارًا لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الْعَارَ قَدْ انْدَفَعَ بِالْأَوَّلِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْآيَةِ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ لَا يَجْعَلُ الْكَلِمَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ وَاحِدٍ كَمَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلِعَبْدِهِ بِالْعِتْقِ لَا يَجْعَلُ الْمَجْلِسُ الْوَاحِدُ الْكُلَّ إقْرَارًا وَاحِدًا، وَكَذَا الْحَرَجُ مُنْتَفٍ وَأَطْلَقَ فِي الْمَجْلِسِ فَشَمَلَ مَا إذَا طَالَ فَإِنَّهُ لَا يَتَبَدَّلُ بِهِ حَتَّى لَوْ تَلَاهَا فِي الْجَامِعِ فِي زَاوِيَةٍ ثُمَّ تَلَاهَا فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ حُكْمُ السَّمَاعِ وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ وَالْمَحْمِلُ وَالسَّفِينَةُ فِي حُكْمِ التِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ سَوَاءٌ كَانَتْ السَّفِينَةُ وَاقِفَةً أَوْ جَارِيَةً وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَلَا بِخُطْوَةٍ وَخُطْوَتَيْنِ وَكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ، وَلَا بِلُقْمَةٍ أَوْ لُقْمَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَثِيرًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ بَاعَ وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ
وَكَذَا لَوْ أَرْضَعَتْ صَبِيًّا وَكُلُّ عَمَلٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَطْعٌ لِلْمَجْلِسِ بِخِلَافِ التَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَاطِعٍ كَالنَّوْمِ قَاعِدًا وَفِي الدَّوْسِ وَتَسْدِيَةِ الثَّوْبِ وَرَحَا الطَّحْنِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ وَالسَّبْحِ فِي نَهْرٍ أَوْ حَوْضٍ يَتَكَرَّرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَرَّرَهَا رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ يَتَكَرَّرُ إلَّا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ
ــ
[منحة الخالق]
نَظَرٌ بَلْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا سَجَدَ لَهَا فِيهَا كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَالنَّهْرِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ سَجَدَ لَهَا فِيهَا (قَوْلُهُ وَهَذَا يُفِيدُ إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ يَسْجُدْهَا فِي الصَّلَاةِ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ: وَلَمْ يَأْتِ بِحَذْفٍ إنْ وَقَوْلُهُ وَأَنْ يُرَادَ بِالْخَارِجِ مِنْ حُرْمَتِهَا الظَّاهِرُ عَطَفَهُ بِأَوْ بَدَلَ الْوَاوِ أَيْ إنَّ قَوْلَهُمْ: الصَّلَاتِيَّةُ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا إمَّا أَنْ يُقَيِّدَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ أَيْ تَخْصِيصٌ مِنْهُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِخَارِجِهَا خَارِجَ حُرْمَتِهَا (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ) قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا كَدَارِ السُّلْطَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute