للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَطَنَانِ حَتَّى لَوْ عَادَ إلَيْهِمَا فِي سَفْرَةٍ أُخْرَى لَا يُتِمُّ إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَطَنَ السُّكْنَى، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْوِي أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَبَعًا لِلْمُحَقِّقِينَ قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ

وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ عَامَّتَهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ فِي رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إلَى قَرْيَةٍ لِحَاجَةٍ، وَلَمْ يَقْصِدْ السَّفَرَ، وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا لِلسَّفَرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُقِيمَ لَيْلَةً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَسَافَرَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ، وَلَوْ مَرَّ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ وَدَخَلَهَا أَتَمَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ مِمَّا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ اهـ.

وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْمُجْمَعُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ، وَلَوْ مَرَّ بِهَا أَتَمَّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ بَاقٍ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِوَطَنِ السُّكْنَى عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ يُبْطِلُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ فَكَيْفَ لَا يُبْطِلُ وَطَنَ السُّكْنَى فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ مَمْنُوعٌ.

(قَوْلُهُ وَفَائِتَةُ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ أَيْ فَائِتَةُ السَّفَرِ تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ وَفَائِتَةُ الْحَضَرِ تُقْضَى أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَاتَتْهُ فِي الْمَرَضِ فِي حَالَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَيْثُ يَقْضِيهَا فِي الصِّحَّةِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا أَوْ فَاتَتْهُ فِي الصِّحَّةِ حَيْثُ يَقْضِيهَا فِي الْمَرَضِ بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إلَّا أَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ بِالْعَجْزِ فَإِذَا قَدَرَ أَتَى بِهِمَا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ

ــ

[منحة الخالق]

بِبِلْبِيسَ فِي مَسْأَلَتِنَا مَعَ أَنَّ مَا بَيْنَ الصَّالِحِيَّةِ وَالْقَاهِرَةِ مُدَّةُ سَفَرٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرُورًا عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ مَمْنُوعٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ إنَّمَا يُبْطِلُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ أَنْ لَوْ خَرَجَ مِنْهُ مُسَافِرًا فَكَذَا وَطَنُ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ تَأَمَّلْ كَذَا رَأَيْتُهُ بِخَطِّ بَعْضِهِمْ اهـ.

قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَدَارِيُّ الْحَلَبِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ شَيْخِهِ الْمُحَقِّقِ السَّيِّدِ عَلِيّ الضَّرِيرِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ وَجِيهٌ فَإِنَّ مَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَوْضِعٍ نِصْفَ شَهْرٍ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ لَا يُرِيدُ السَّفَرَ، ثُمَّ عَادَ مُرِيدًا سَفَرًا وَمَرَّ بِذَلِكَ أَتَمَّ مَعَ أَنَّهُ أَنْشَأَ سَفَرًا بَعْدَ اتِّخَاذِ هَذَا الْمَوْضِعِ دَارَ إقَامَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ إنْشَاءَ السَّفَرِ لَا يُبْطِلُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ إلَّا إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ مِنْهُ فَلْيَكُنْ وَطَنُ السُّكْنَى كَذَلِكَ فَمَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ صَحِيحٌ وَمِنْ تَصْوِيرِهِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَبَيْنَ وَطَنِ السُّكْنَى أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَكَذَا بَيْنَ وَطَنِ الْإِقَامَةِ وَوَطَنِ السُّكْنَى اهـ.

قُلْت: قَدْ يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ فَلْيَكُنْ وَطَنُ السُّكْنَى كَذَلِكَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِبَقَاءِ السَّفَرِ فِي وَطَنِ السُّكْنَى وَانْتِهَائِهِ فِي وَطَنِ الْإِقَامَةِ فَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ بَلْدَةً وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا دُونَ نِصْفِ شَهْرٍ بَقِيَ مُسَافِرًا فَيَقْصُرُ فَكَذَا إذَا مَرَّ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا نِصْفَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا؛ وَلِذَا يُتِمُّ مُدَّةَ إقَامَتِهِ بِهَا عَلَى أَنَّ تَصْحِيحَ الْمُحَقِّقِينَ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ عَدَمِ الْإِتْمَامِ فِيمَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ؛ وَلِذَا عَلَّلَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ

وَمَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَهِيَ لَوْ خَرَجَ كُوفِيٌّ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ مِنْهَا إلَى الْحِيرَةِ يُرِيدُ الشَّامَ حَتَّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِيَحْمِلَ ثَقَلَهُ مِنْهَا وَيَرْتَحِلَ إلَى الشَّامِ، وَلَا يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ أَتَمَّ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَهُ وَطَنَ السُّكْنَى، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ بِقَصْدِ الْحِيرَةِ وَطَنُ سُكْنَى آخَرُ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا فَيَبْقَى وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ وَلَا يُنْتَقَضُ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا لِتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ وَنَحْوِهِ اهـ. مُلَخَّصًا.

فَقَدْ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِيهِ تَأَمَّلْ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ سَفَرِهِ اُعْتُبِرَ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ حَتَّى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ مُجَاوَزَةُ عُمْرَانِهَا إذَا أَرَادَ الْقَصْرَ فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ حُكْمًا فَإِذَا رَجَعَ إلَيْهَا قَبْلَ اسْتِحْكَامِ السَّفَرِ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا خَرَجَ مُسَافِرًا مِنْ بَلْدَةٍ، ثُمَّ تَذَكَّرَ حَاجَةً فَرَجَعَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ كَمَا يَأْتِي فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ إتْمَامَهُ لِكَوْنِهِ وَطَنَ سُكْنَى لَكِنْ قَدْ يُقَالُ تَسْمِيَةُ السَّرَخْسِيِّ لَهُ وَطَنَ سُكْنَى دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ بِقَصْدِ الْحِيرَةِ وَطَنُ سُكْنَى آخَرُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي التَّوْفِيقِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَأَقَامَ فِي بَلَدٍ دُونَ نِصْفِ شَهْرٍ لَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا الْوَطَنُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ يَقْصُرُ فِيهِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ يَقْصُرُ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُحَقِّقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَعْتَبِرُوا وَطَنَ السُّكْنَى كَمَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهُمْ أَمَّا إذَا كَانَ مُقِيمًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إلَى قَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهَا دُونَ نِصْفِ شَهْرٍ كَمَا مَرَّ تَصْوِيرُهُ عَنْ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ اعْتَبَرُوهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَبْلَ تَحَقُّقِ السَّفَرِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِهِ قَبْلَ تَحَقُّقِ السَّفَرِ كَمَا فِي صُورَةِ الزَّيْلَعِيِّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ بِاعْتِبَارِهِ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ الْمُبِيحَةِ لِلْإِتْمَامِ فَإِنَّ أَقَلَّهَا نِصْفُ شَهْرٍ إذْ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ إنَّ الْمُسَافِرَ إذَا دَخَلَ بَلْدَةً وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا يَوْمًا مَثَلًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا، ثُمَّ رَجَعَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَنَّهُ يُتِمُّ مَا لَوْ يَنْوِ إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ وَبِهَذَا التَّوْفِيقِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ إلَّا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>