للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَامَّةٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْقُنْيَةِ اقْتَدَى مُقِيمٌ بِمُسَافِرٍ فَتَرَكَ الْقِعْدَةَ مَعَ إمَامِهِ فَسَدَتْ فَالْقِعْدَتَانِ فَرْضٌ فِي حَقِّهِ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ وَهِيَ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي اهـ.

(قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِمِثْلِهِ لَا السَّفَرِ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ وَالسَّفَرِ وَالْأَصْلِيِّ) ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَبْطُلُ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ لَا بِمَا هُوَ دُونَهُ فَلَا يَصْلُحُ مُبْطِلًا لَهُ وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ حَاجًّا يُصَلِّي بِعَرَفَاتٍ أَرْبَعًا فَاتَّبَعُوهُ فَاعْتَذَرَ، وَقَالَ: إنِّي تَأَهَّلْت بِمَكَّةَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهَا» وَالْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ هُوَ وَطَنُ الْإِنْسَانِ فِي بَلْدَتِهِ أَوْ بَلْدَةٍ أُخْرَى اتَّخَذَهَا دَارًا وَتَوَطَّنَ بِهَا مَعَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَلَيْسَ مِنْ قَصْدِهِ الِارْتِحَالُ عَنْهَا بَلْ التَّعَيُّشُ بِهَا وَهَذَا الْوَطَنُ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَطَّنَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَيَنْقُلَ الْأَهْلَ إلَيْهَا فَيَخْرُجَ الْأَوَّلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَطَنًا أَصْلِيًّا حَتَّى لَوْ دَخَلَهُ مُسَافِرًا لَا يُتِمُّ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ انْتَقَلَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْتَقِلْ بِهِمْ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْدَثَ أَهْلًا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَبْطُلْ وَيُتِمُّ فِيهِمَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارِهِ وَنَقَلَ عِيَالَهُ وَخَرَجَ يُرِيدُ أَنْ يَتَوَطَّنَ بَلْدَةً أُخْرَى ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَتَوَطَّنَ مَا قَصَدَهُ أَوَّلًا وَيَتَوَطَّنَ بَلْدَةً غَيْرَهَا فَمَرَّ بِبَلَدِهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَطَّنْ غَيْرَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِالْكُوفَةِ، وَأَهْلٌ بِالْبَصْرَةِ فَمَاتَ أَهْلُهُ بِالْبَصْرَةِ وَبَقِيَ لَهُ دُورٌ وَعَقَارٌ بِالْبَصْرَةِ قِيلَ الْبَصْرَةِ لَا تَبْقَى وَطَنًا لَهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ وَطَنًا بِالْأَهْلِ لَا بِالْعَقَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا عَقَارٌ صَارَتْ وَطَنًا لَهُ، وَقِيلَ تَبْقَى وَطَنًا لَهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَطَنًا لَهُ بِالْأَهْلِ وَالدَّارِ جَمِيعًا فَبِزَوَالِ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَفِعُ الْوَطَنُ كَوَطَنِ الْإِقَامَةِ يَبْقَى بِبَقَاءِ الثَّقَلِ وَإِنْ أَقَامَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى نَقْلُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا نَقَلَ أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ وَبَقِيَ لَهُ دُورٌ وَعَقَارٌ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا جَوَابُ وَاقِعَةٍ اُبْتُلِينَا بِهَا وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَوَطِّنِينَ فِي الْبِلَادِ، وَلَهُمْ دُورٌ وَعَقَارٌ فِي الْقُرَى الْبَعِيدَةِ مِنْهَا يُصَيِّفُونَ بِهَا بِأَهْلِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهَا أَنَّهُمَا وَطَنَانِ لَهُ لَا يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَقَوْلُهُ لَا السَّفَرُ أَيْ لَا يَبْطُلُ الْأَصْلِيُّ بِالسَّفَرِ حَتَّى يَصِيرَ مُقِيمًا بِالْعَوْدِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ، وَكَذَا لَا يَبْطُلُ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ وَأَمَّا وَطَنُ الْإِقَامَةِ فَهُوَ الْوَطَنُ الَّذِي يَقْصِدُ الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِيهِ، وَهُوَ صَالِحٌ لَهَا نِصْفَ شَهْرٍ، وَهُوَ يَنْتَقِضُ بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِالْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ وَبِمِثْلِهِ وَبِالسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَهُ أَنَّ تَقْدِيمَ السَّفَرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَوَطَنِ الْإِقَامَةِ فَالْأَصْلِيُّ بِالْإِجْمَاعِ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَفِي أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ إقَامَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ، وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْهُ مُدَّةُ سَفَرٍ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ لَا لِقَصْدِ السَّفَرِ فَوَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ، وَكَذَا إذَا قَصَدَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَخَرَجَ فَلَمَّا وَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ مَسِيرَتُهَا مِنْ وَطَنِهِ دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصِيرُ مُقِيمًا، وَلَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ مِثَالُهُ قَاهِرِيٌّ خَرَجَ إلَى بِلْبِيسَ فَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا نِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا، وَإِنْ قَصَدَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَافَرَ بَطَلَ وَطَنُهُ بِبِلْبِيسَ حَتَّى لَوْ مَرَّ بِهِ فِي الْعَوْدِ لَا يُتِمُّ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ، وَخَرَجَ إلَى الصَّالِحِيَّةِ، فَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا نِصْفَ شَهْرٍ أَتَمَّ بِهَا وَبَطَلَ وَطَنُهُ بِبِلْبِيسَ حَتَّى لَوْ عَادَ إلَيْهِ مُسَافِرًا لَا يُتِمُّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِهَا لَمْ يَبْطُلْ وَطَنُهُ بِبِلْبِيسَ حَتَّى يُتِمَّ إذَا دَخَلَهُ وَإِنْ عَادَ إلَى مِصْرَ بَطَلَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَبْطُلُ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَلَوْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهِ لَعُلِمَ السَّفَرُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ نِيَّةُ سَفَرٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا تَقَدُّمُ نِيَّةِ السَّفَرِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ سَفَرٍ بَيْنَهُ أَيْ بَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْشَأَ مِنْهُ السَّفَرَ وَبَيْنَ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْهُ أَيْ وَبَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي صَارَ إلَيْهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ وَنَوَى فِيهِ الْإِقَامَةَ فَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ خَرَجَ تَفْرِيعٌ عَلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَصَدَ إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَى الثَّانِي (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ) ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ قَصَدَ الرُّجُوعَ إلَى مِصْرِهِ وَمَرَّ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مَسِيرَةَ السَّفَرِ وَلَيْسَتْ الْقَرْيَةُ وَطَنًا لَهُ (قَوْلُهُ مِثَالُهُ قَاهِرِيٌّ إلَخْ) أَيْ مِثَالُ بُطْلَانِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ بِوَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَقَوْلُهُ، فَإِنْ قَصَدَ إلَخْ فِيهِ بُطْلَانُهُ بِالسَّفَرِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ إلَخْ فِيهِ بُطْلَانُهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ بِلْبِيسَ وَالصَّالِحِيَّةِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا بَيْنَ بِلْبِيسَ وَالْقَاهِرَةِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ عَادَ إلَى مِصْرَ فِيهِ بُطْلَانُهُ بِالْأَهْلِيِّ

(قَوْلُهُ حَتَّى يُتِمَّ إذَا دَخَلَهُ) يَعْنِي إذَا خَرَجَ مِنْ الصَّالِحِيَّةِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى الْقَاهِرَةِ وَمَرَّ بِبِلْبِيسَ يُتِمُّ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِهَا لَمْ يَبْطُلْ بِالْخُرُوجِ إلَى الصَّالِحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَطَنٍ مِثْلِهِ، وَلَا سَفَرَ مَعَهُ فَيَبْقَى وَطَنُهُ بِبِلْبِيسَ وَهَذَا التَّمْثِيلُ كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ تَقْدِيمِ السَّفَرِ لِثُبُوتِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرِوَايَةِ الْحَسَنِ يَعْنِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ. تَبَيَّنَ أَنَّ السَّفَرَ النَّاقِضَ لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ مُرُورٌ عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ بَعْدَ سَيْرِ مُدَّةِ السَّفَرِ اهـ.

وَلِهَذَا أَتَمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>