للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخُطْبَةِ فَشَرْطٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِ اهـ.

مَا فِي الْمُجْتَبَى وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجِلْسَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهَا لِلِاخْتِلَافِ فَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِقْدَارُ مَا يَمَسُّ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ اهـ.

وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ أَنْ يَرْفَعَ الْخَطِيبُ صَوْتَهُ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَمِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْجَهْرُ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي التَّجْنِيسِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الثَّانِيَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذِكْرُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُسْتَحْسَنٌ بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ وَيَذْكُرُ الْعَمَّيْنِ اهـ.

ثُمَّ قَوْلُهُمْ إنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُسْتَمِعِ اسْتِقْبَالُ الْإِمَامِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْمُسْتَمِعِ لِلْقِبْلَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالرَّسْمُ فِي زَمَانِنَا أَنَّ الْقَوْمَ يَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ قَالَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ اسْتَقْبَلُوا الْإِمَامَ لَخَرَجُوا فِي تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ بَعْدَ فَرَاغِهِ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُهُ إنْ كَانَ أَمَامَ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ قَرِيبًا مِنْ الْإِمَامِ يَنْحَرِفُ إلَى الْإِمَامِ مُسْتَعِدًّا لِلسَّمَاعِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَكُونَ الْخَطِيبُ عَلَى مِنْبَرٍ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْمُضْمَرَاتِ مَعْزِيًّا إلَى رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ: الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْخَطِيبَ يَتَقَلَّدُ سَيْفًا مَا قَدْ سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا الْحَسَنِ الرُّسْتُغْفَنِيَّ يَقُولُ: كُلُّ بَلْدَةٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِالسَّيْفِ يَخْطُبُ الْخَطِيبُ عَلَى مِنْبَرِهَا مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ يُرِيهِمْ أَنَّهَا فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ فَإِذَا رَجَعْتُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ السَّيْفُ بَاقٍ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ نُقَاتِلُكُمْ بِهِ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَكُلُّ بَلْدَةٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا يَخْطُبُونَ فِيهَا بِلَا سَيْفٍ وَمَدِينَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فُتِحَتْ بِالْقُرْآنِ فَيَخْطُبُ الْخَطِيبُ بِلَا سَيْفٍ وَتَكُونُ تِلْكَ الْبَلْدَةُ عُشْرِيَّةً وَمَكَّةَ فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ فَيَخْطُبُ مَعَ السَّيْفِ اهـ.

وَهَذَا مُفِيدٌ لِكَوْنِهِ يَتَقَلَّدُ بِالسَّيْفِ لَا أَنَّهُ يُمْسِكُهُ بِيَدِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ كَرَاهَةُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْطُبَ مُتَّكِئًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا لَكِنْ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ الْإِمَامُ وَالسَّيْفُ بِيَسَارِهِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَيْهِ اهـ.

وَهُوَ صَرِيحٌ فِيهِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ السَّيْفِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَيَخْطُبُ بِالسَّيْفِ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَمَّا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ فِي الْخُطْبَةِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَطَاءً سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ مُحْدَثٌ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ تَذْكِيرًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا الدُّنُوُّ مِنْ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ التَّبَاعُدِ عَلَى الصَّحِيحِ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ التَّبَاعُدَ حَتَّى لَا يَسْمَعَ مَدْحَ الظَّلَمَةِ فِي الْخُطْبَةِ؛ وَلِهَذَا اخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخَطِيبَ مَا دَامَ فِي الْحَمْدِ وَالْمَوَاعِظِ فَعَلَيْهِمْ الِاسْتِمَاعُ فَإِذَا أَخَذَ فِي مَدْحِ الظَّلَمَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ حِينَئِذٍ وَحُكِيَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَكَلَّمَانِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ فَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي صَلَّيْت الظُّهْرَ فِي دَارِي ثُمَّ رُحْت إلَى الْجُمُعَةِ تَقِيَّةً؛ وَلِذَلِكَ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّاسَ كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَرِيقَيْنِ فَرِيقٌ مِنْهُمْ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْجَائِرَ سُلْطَانًا وَسُلْطَانُهُمْ يَوْمَئِذٍ كَانَ جَائِرًا فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَكَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ كَانَ يُؤَخِّرُ الْجُمُعَةَ عَنْ وَقْتِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَكَانُوا يَأْتُونَ الظُّهْرَ فِي دَارِهِمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَجْعَلُونَهَا سُبْحَة أَيْ نَافِلَةً اهـ.

وَقَدْ سَمِعْت فِي زَمَانِنَا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ مُتَأَوِّلًا بِالتَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ فَاعِلَهُ مُجْتَهِدٌ رَأَى ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَ إمَامِهِ أَنَّ الْجَائِرَ سُلْطَانٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي أَوَّلِ التَّجْنِيسِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْوَاعِظِ الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ، وَلَا يُجْعَلُ كُلُّهُ خَوْفًا وَلَا كُلُّهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَهَذَا مُفِيدٌ لِكَوْنِهِ يَتَقَلَّدُ بِالسَّيْفِ لَا أَنَّهُ يُمْسِكُهُ بِيَدِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ) أَيْ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْحَاوِي الْآتِي لَكِنْ دَفَعَ الْمُنَافَاةَ فِي النَّهْرِ بِإِمْكَانِهِ مَعَ التَّقْلِيدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>