رَجَاءً؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ يُفْضِي إلَى الْقُنُوطِ وَالثَّانِي إلَى الْأَمْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرُّسْتُغْفَنِيُّ يَجِبُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الرَّحْمَةِ وَالرَّجَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَسِّرُوا، وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» وَلِأَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى الْبَابِ بِالْكَرَامَةِ يَكُونُ أَثْبَتَ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْجَامِعِ يَنْبَغِي لِلْخَطِيبِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاَللَّهِ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ اهـ.
وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مُخْتَصَرِ شَمْسِ الْعُلُومِ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ خُطْبَةً بِضَمِّ الْخَاءِ وَخَطَبَ الْمَرْأَةَ خِطْبَةً بِكَسْرِ الْخَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: ٢٣٥] ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَا يَخْطِبَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» اهـ.
وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُ الْإِمَامِ فِي مَخْدَعِهِ عَنْ يَمِينِ الْمِنْبَرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي جِهَتِهِ أَوْ نَاحِيَتِهِ وَتُكْرَهُ صَلَاتُهُ فِي الْمِحْرَابِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلْيَلْبَسَنَّ السَّوَادَ اقْتِدَاءً بِالْخُلَفَاءِ وَلِلتَّوَارُثِ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ اهـ.
وَلَمْ أَرَ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبِ أَئِمَّتِنَا حُكْمَ الْمَرْقَى الَّذِي يَخْرُجُ الْخَطِيبُ مِنْ مَخْدَعِهِ وَيَقْرَأُ الْآيَةَ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ هَلْ هُوَ مَسْنُونٌ أَمْ لَا وَفِي الْبَدَائِعِ وَيُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي حَالِ خُطْبَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ فَلَا يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ مِنْهَا، وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ الْخُطَبُ ثَمَانٍ: خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ وَخُطْبَةُ عِيدِ الْأَضْحَى وَخُطْبَةُ النِّكَاحِ وَخُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَثَلَاثُ خُطَبٍ فِي الْحَجِّ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِلَا جِلْسَةٍ بِمَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالثَّانِي بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ يَجْلِسُ فِيهَا جِلْسَةً خَفِيفَةً وَالثَّالِثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ بِيَوْمٍ فِي مِنًى يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ الظُّهْرِ فَيُبْدَأُ فِي ثَلَاثِ خُطَبٍ مِنْهَا بِالتَّحْمِيدِ وَهِيَ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَخُطْبَةُ النِّكَاحِ وَفِي خَمْسٍ يُبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ وَهِيَ خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَثَلَاثُ خُطَبِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّ الْخُطْبَةَ الَّتِي بِمَكَّةَ وَعَرَفَةَ يُبْدَأُ فِيهَا بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ بِالْخُطْبَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ أَوْ تَسْبِيحَةٌ) أَيْ وَكَفَى فِي الْخُطْبَةِ الْمَفْرُوضَةِ مُطْلَقُ ذَكَرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْقَصْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِإِطْلَاقِهِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَقَالَا: الشَّرْطُ أَنْ يَأْتِيَ بِكَلَامٍ يُسَمَّى خُطْبَةً فِي الْعُرْفِ وَأَقَلُّهُ قَدْرُ التَّشَهُّدِ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ تَقْيِيدًا لَهُ بِالْمُتَعَارَفِ كَمَا قَالَاهُ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَمِلَ بِالْقَاطِعِ وَالظَّنِّيِّ فَقَالَ بِافْتِرَاضِ مُطْلَقِ الذِّكْرِ لِلْآيَةِ وَبِاسْتِنَانِ الْخُطْبَةِ الْمُتَعَارَفَةِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَنْزِيلًا لِلْمَشْرُوعَاتِ عَلَى حَسَبِ أَدِلَّتِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ عُثْمَانَ الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَهِيَ أَنَّهُ لَمَّا خَطَبَ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ وَلِيَ الْخِلَافَةَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يُعِدَّانِ لِهَذَا الْمَقَامِ مَقَالًا وَأَنْتُمْ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ وَسَتَأْتِيكُمْ الْخُطَبُ بَعْدُ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَنَزَلَ وَصَلَّى بِهِمْ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا وَأُرْتِجَ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ اُسْتُغْلِقَ عَلَيْهِ الْخُطْبَةُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إتْمَامِهَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَمُرَادُ عُثْمَانَ بِقَوْلِهِ إنَّكُمْ إلَى إمَامٍ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ تَكُونُ عَلَى كَثْرَةِ الْمَقَالِ مَعَ قُبْحِ الْفِعَالِ فَأَنَا، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ قَوَّالًا مِثْلَهُمْ فَأَنَا عَلَى الْخَيْرِ دُونَ الشَّرِّ فَأَمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا الْقَوْلِ تَفْضِيلَ نَفْسِهِ عَلَى الشَّيْخَيْنِ فَلَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَيَّدْنَا الْخُطْبَةَ بِالْمَفْرُوضَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَةَ لَا يَكْفِي فِيهَا مُطْلَقُهُ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَيَّدْنَا بِالْقَصْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَطَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عُطَاسِهِ لَا يَنُوبُ عَنْ الْخُطْبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا كَمَا فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَالْفَرْقُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْخُطْبَةِ الذِّكْرُ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] وَقَدْ وُجِدَ، وَفِي بَابِ الذَّبِيحَةِ الْمَأْمُورُ الذِّكْرُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْصِدَهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ.
(قَوْلُهُ وَالْجَمَاعَةُ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَرُ لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهَا فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ فِيمَا عِنْدِي إلَخْ) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ تَخْرِيجَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذْهَبِنَا قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ هَلْ هُوَ مَسْنُونٌ أَمْ لَا) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ لِلنَّوَوِيِّ. تَنْبِيهٌ كَلَامُهُمْ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ اتِّخَاذَ مَرْقًى لِلْخَطِيبِ يَقْرَأُ الْآيَةَ وَالْخَبَرَ الْمَشْهُورَيْنِ بِدْعَةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ قِيلَ لَكِنَّهَا حَسَنَةٌ لِحَثِّ الْآيَةِ عَلَى مَا يُنْدَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ إكْثَارِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَكَحَثِّ الْخَبَرِ عَلَى تَأَكُّدِ الْإِنْصَاتِ الْمُفَوِّتِ تَرْكُهُ لِفَضْلِ الْجُمُعَةِ بَلْ وَالْمَوْقِعُ فِي الْإِثْمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَأَقُولُ: يُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ يَسْتَنْصِتُ لَهُ النَّاسَ عِنْدَ إرَادَتِهِ خُطْبَةَ مِنًى فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْخَطِيبِ أَمْرُ غَيْرِهِ بِأَنْ يَسْتَنْصِتَ لَهُ النَّاسَ، وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute