للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةِ ثَانِيهَا لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الظُّهْرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ فِي الْجُمُعَةِ ثَالِثُهَا لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً عَلَيْهِ وَكَانَ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِي وَيُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، وَلَوْ كَانَ بِحَالٍ تَفُوتُهُ الظُّهْرُ وَالْجُمُعَةُ لَا يَقْضِيهَا اتِّفَاقًا كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ عِنْدَهُمَا فَرْضُ الْوَقْتِ الظُّهْرُ لَكِنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ عَنْهُ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْفَرْضُ هُوَ الْجُمُعَةُ، وَلَهُ أَنْ يُسْقِطَ بِالظُّهْرِ رُخْصَةً وَرُوِيَ عَنْهُ الْفَرْضُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بِأَدَائِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ الْفَرْضُ هُوَ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ اهـ.

وَقَدْ ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ صِحَّةُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي التَّعْبِيرِ بِالْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ قَبْلَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ مِنْ الْإِمَامِ لَيْسَتْ مُفَوِّتَةً لِلْجُمُعَةِ حَتَّى تَكُونَ حَرَامًا إنَّمَا الْمُفَوِّتُ لَهَا عَدَمُ سَعْيِهِ فَإِنَّ سَعْيَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَيْهَا فَرْضٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْعَ فَقَدْ فَوَّتَهَا فَحَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَأَمَّا الصَّلَاةُ، وَأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فَقَطْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلتَّفْوِيتِ بِاعْتِبَارِ اعْتِمَادِهِ عَلَيْهَا، وَهُمْ إنَّمَا حَكَمُوا عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ بِالْكَرَاهَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ تَرْكَ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ مَكْرُوهٌ حَتَّى يَلْزَمَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِيقَاعِ فِي جَهَالَةٍ فَقَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ تَرْكُ الْفَرْضِ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ - قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ بَعْدَمَا صَلَّى الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ يَجُوزُ اتِّفَاقًا بِلَا كَرَاهَةٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ فَوَّتَ الْجُمُعَةَ فَنَفْسُ الصَّلَاةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ وَتَفْوِيتُ الْجُمُعَةِ حَرَامٌ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَا عُذْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْذُورَ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَا كَرَاهَةَ اتِّفَاقًا.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ سَعَى إلَيْهَا بَطَلَ) أَيْ الظُّهْرُ الْمُؤَدَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمُجَرَّدِ السَّعْيِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَنْقُضُهَا بِالذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ فَالذَّهَابُ إلَيْهَا شُرُوعٌ فِي طَرِيقِ نَقْضِهَا الْمَأْمُورِ بِهِ فَيُحْكَمُ بِنَقْضِهَا بِهِ احْتِيَاطًا لِتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ وَقَالَا لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى السَّعْيِ إلَيْهَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ الِانْفِصَالُ عَنْ دَارِهِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ قَبْلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ الرَّافِضَ لَهَا هُوَ السَّعْيُ إلَيْهَا عَلَى الْخُصُوصِ وَمِثْلُ ذَلِكَ السَّعْيِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ السَّعْيِ الْمَشْيُ لَا الْإِسْرَاعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِهِ اتِّبَاعًا لِلْآيَةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ سَعَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَشْرَعَ مَعَ الْإِمَامِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْحَقَائِقِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَوْ خَرَجَ، وَقَدْ فَرَغَ الْإِمَامُ لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ إجْمَاعًا فَالْبُطْلَانُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهَا بِأَنْ خَرَجَ وَالْإِمَامُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ شَرَعَ وَأَطْلَقَ فَشَمَلَ مَا إذَا لَمْ يُدْرِكْهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ مَعَ كَوْنِ الْإِمَامِ فِيهَا وَقْتَ الْخُرُوجِ أَوْ لَمْ يَكُنْ شَرَعَ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَلْخِيِّينَ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ إلَيْهَا وَهِيَ لَمْ تَفُتْ بَعْدُ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْتُهُ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ وَسَمِعَ الْجَمَاعَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَتَوَجَّهَ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ بَطَلَ الظُّهْرُ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي النِّهَايَةِ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُصَلِّهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ اخْتَلَفُوا فِي بُطْلَانِ ظُهْرِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَكَذَا لَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا وَالْإِمَامُ وَالنَّاسُ فِيهَا إلَّا أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْهَا قَبْلَ إتْمَامِهَا لِنَائِبَةٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي قَوْلِهِ سَعَى يَعُودُ إلَى مُصَلِّي الظُّهْرِ لَا إلَى مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ لِيَكُونَ أَفْيَدَ وَأَشْمَلَ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ فِي بُطْلَانِ ظُهْرِهِ بِسَعْيِهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا لَا يَشْمَلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْذُورَ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا مُطْلَقًا فَكَيْفَ يَبْطُلُ بِهِ فَيَنْبَغِي

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْهُ الْفَرْضُ) وَنُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ، وَلَهُ إسْقَاطُهَا بِالظُّهْرِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَكِنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ يُرِيدُ بِأَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ وَلَكِنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ.

(قَوْلُهُ فَالْبُطْلَانُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهَا) الْأَصْوَبُ إسْقَاطُهُ لِاقْتِضَائِهِ عَدَمَ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يُدْرِكْهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ مَعَ أَنَّهُ سَيَنْقُلُ عَنْ السِّرَاجِ تَصْحِيحَ الْبُطْلَانِ وَعِبَارَةُ السِّرَاجِ هَكَذَا وَهَذَا إذَا سَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ وَشَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَوْنَهُ يُدْرِكُهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَفِي النِّهَايَةِ إذَا سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجُو إدْرَاكَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ فِي قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَبْطُلُ فِي قَوْلِ الْبَلْخِيِّينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

وَبِهَا عُلِمَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ عَزْوِهِ التَّقْيِيدَ لِلْبُطْلَانِ بِرَجَاءِ إدْرَاكِهَا وَتَصْحِيحِ عَدَمِهِ حِينَ عَدَمِهِ إلَى السِّرَاجِ، وَقَدْ تَابَعَهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْتُهُ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ) أَيْ وَبَعِيدًا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الضَّمِيرُ فِي صَلَّى وَاقِعٌ عَلَى مَنْ فَمَا فَرَّ مِنْهُ وَقَعَ فِيهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ سَكَتَ عَنْ الْمَعْذُورِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ أَوَّلًا لَا يَشْمَلُهُ) أَجَابَ الشَّارِحُ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ فِي مَعْرِضِ الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ بِأَنَّهُ إنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>