للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ لَا يَبْطُلَ الظُّهْرُ بِالسَّعْيِ، وَلَا بِشُرُوعِهِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِنَقْضِهِ فَتَكُونُ الْجُمُعَةُ نَفْلًا مِنْهُ كَمَا قَالَ بِهِ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ

وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ ظُهْرَهُ إنَّمَا يَبْطُلُ بِحُضُورِهِ الْجُمُعَةَ لَا بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَهُوَ أَخَفُّ إشْكَالًا وَأَسْنَدَ الْمُصَنِّفُ الْبُطْلَانَ إلَى الظُّهْرِ لِيُفِيدَ أَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ لَمْ يَبْطُلْ فَيَنْقَلِبُ نَفْلًا كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ الرُّسْتَاقِيُّ إذَا سَعَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى مِصْرٍ يُرِيدُ بِهِ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ وَإِقَامَةَ حَوَائِجِ نَفْسِهِ فِي الْمِصْرِ وَمُعْظَمُ مَقْصُودِهِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ إقَامَةَ الْحَوَائِجِ لَا غَيْرُ أَوْ كَانَ مُعْظَمُ مَقْصُودَةِ إقَامَةَ الْحَوَائِجِ لَا يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ اهـ.

وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ شَرِكَ فِي عِبَادَتِهِ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَغْلَبِ وَقَيَّدَ بِسَعْيِ الْمُصَلِّي؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ لَمْ يَسْعَ إلَيْهَا وَسَعَى إمَامُهُ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُ الْمَأْمُومِ، وَإِنْ بَطَلَ ظُهْرُ إمَامِهِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلَا يَضُرُّ الْمَأْمُومَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ لِلْمَعْذُورِ وَالْمَسْجُونِ أَدَاءُ الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي الْمِصْرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْذُورَ، وَقَدْ يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُهُ فَيُؤَدِّي إلَى تَرْكِهَا، وَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ إذْ هِيَ جَامِعَةٌ لِلْجَمَاعَاتِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمُ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً قَيَّدَ بِالْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ فِي حَقِّ أَهْلِ السَّوَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَأَفَادَ بِالْكَرَاهَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا، وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ قَوْمٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْضُرُوا الْجُمُعَةَ لِبُعْدِ الْمَوْضِعِ صَلَّوْا الظُّهْرَ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ فِي الْجُمُعَةِ اهـ.

فَإِنْ كَانُوا فِي السَّوَادِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الْمَعْذُورَ وَالْمَسْجُونَ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ أَدَاءَ الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُطْلَقًا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ جَمَاعَةٌ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ، وَلَا جَمَاعَةٍ اهـ.

وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَلَا يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَمَاعَةٌ فِي مِصْرٍ، وَلَا يُؤَذِّنُ، وَلَا يُقِيمُ فِي سِجْنٍ وَغَيْرِهِ لِصَلَاةٍ، وَلَوْ زَادَ أَوْ أَدَاؤُهُ مُنْفَرِدًا قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ يُكْرَهُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

وَلَعَلَّهُ إمَّا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ فَيُؤَدِّيَ إلَى تَرْكِهَا أَوْ يُعَافَى فَيَحْضُرَهَا وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْمُجْتَبَى عَلَى الثَّانِي، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْمَسْجُونِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْمَعْذُورِ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَهْلِ السِّجْنِ فَإِنَّ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الْمَسْجُونِينَ إنْ كَانُوا ظَلَمَةً قَدَرُوا عَلَى إرْضَاءِ الْخُصُومِ، وَإِنْ كَانُوا مَظْلُومِينَ أَمْكَنَهُمْ الِاسْتِغَاثَةُ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَقَيَّدَ بِالْجَمَاعَةِ لِمَا فِي التَّفَارِيقِ أَنَّ الْمَعْذُورَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَإِنْ كَانَ لَا تُسْتَحَبُّ الْجَمَاعَةُ وَقَيَّدَ بِالظُّهْرِ؛ لِأَنَّ فِي غَيْرِهَا لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمَسَاجِدَ تُغْلَقُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا الْجَامِعَ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ فِيهَا جَمَاعَةٌ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مُؤَدِّيَةٌ إلَى الْحَرَامِ وَمَا أَدَّى إلَيْهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا.

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَدْرَكَهَا فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَتَمَّ جُمُعَةً) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ؛ لِأَنَّهُ جُمُعَةٌ مِنْ وَجْهٍ ظُهْرٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشَّرَائِطِ فِي حَقِّهِ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا اعْتِبَارًا لِلظُّهْرِ وَيَقْعُدُ لَا مَحَالَةَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْجُمُعَةِ وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِاحْتِمَالِ النَّفْلِيَّةِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى تُشْتَرَطَ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ لَا يَنْبَنِي أَحَدُهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْآخَرِ وَوُجُودُ الشَّرَائِطِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ يُجْعَلُ مَوْجُودًا فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ الْجُمُعَةَ دُونَ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ نَوَى

ــ

[منحة الخالق]

رَخَّصَ لَهُ تَرْكَهَا لِلْعُذْرِ وَبِالِالْتِزَامِ الْتَحَقَ بِالصَّحِيحِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ الْآتِي، وَلَوْ زَادَ أَوْ أَدَاؤُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَمَّا الْحَذْفُ كَمَا ذَكَرَ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهَا كَالَّتِي قَبْلَهَا تَحْرِيمِيَّةٌ وَظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ (قَوْلُهُ فِي سِجْنٍ وَغَيْرِهِ لِصَلَاةٍ) عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>