للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ رَجُلٌ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا اسْتَأْجَرَ بِهَا دَارًا عَشْرَ سِنِينَ لِكُلِّ سَنَةٍ مِائَةٌ فَدَفَعَ الْأَلْفَ، وَلَمْ يَسْكُنْهَا حَتَّى مَضَتْ السُّنُونَ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْآجِرِ زَكَّى الْآجِرُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى عَنْ تِسْعِمِائَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَنْ ثَمَانِمِائَةٍ إلَّا زَكَاةَ السَّنَةِ الْأُولَى ثُمَّ يُسْقِطُ لِكُلِّ سَنَةٍ زَكَاةَ مِائَةٍ أُخْرَى، وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَلْفَ بِالتَّعْجِيلِ كُلَّهَا فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الدَّارَ إلَيْهِ سَنَةً انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَزَالَ عَنْ مِلْكِهِ مِائَةٌ، وَصَارَ مَصْرُوفًا إلَى الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ حَوْلٍ انْتَقَصَ مِائَة وَيَصِيرُ مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ وَيَرْفَعُ ذَلِكَ مِنْ النِّصَابِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُزَكِّي لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ سَبْعَمِائَةٍ وَسِتِّينَ، وَعِنْدَهُمَا سَبْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْكُسُورِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا فِيهِ زَكَاةٌ، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِنُقْصَانِ نِصَابِهِ فِي الْأُولَى وَلِعَدَمِ تَمَامِ الْحَوْلِ فِي الثَّانِيَةِ وَيُزَكِّي فِي الثَّالِثَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِائَةً أُخْرَى ثُمَّ يُزَكِّي لِكُلِّ سَنَةٍ مِائَةً أُخْرَى وَمَا اسْتَفَادَ قَبْلَهَا إلَّا أَنَّهُ يَرْفَعُ عَنْهُ زَكَاةَ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ اهـ.

وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ حَوْلِيًّا أَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» قَالَ فِي الْغَايَةِ: سُمِّيَ حَوْلًا؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تَحُولُ فِيهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ الْعِبْرَةُ فِي الزَّكَاةِ لِلْحَوْلِ الْقَمَرِيِّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ وَدَفَعَ إلَيْهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا أَمَةٌ فَحَالَ الْحَوْلُ عِنْدَهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَرُدَّ الْأَلْفُ عَلَى الزَّوْجِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا حَلَقَ لِحْيَةَ إنْسَانٍ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ، وَدَفَعَ الدِّيَةَ إلَيْهِ، وَحَالَ الْحَوْلُ ثُمَّ نَبَتَتْ لِحْيَتُهُ وَرُدَّتْ الدِّيَةُ لَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَدَفَعَ الْأَلْفَ إلَيْهِ ثُمَّ تَصَادَقَا بَعْدَ الْحَوْلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَلْفًا وَدَفَعَ الْأَلْفَ إلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَاسْتَرَدَّ الْأَلْفَ لَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ.

وَظَاهِرُهُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي حَقٍّ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَمِلْكِهِ، وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَهُوَ مُسْقِطٌ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَإِلَّا فَتَحْتَاجُ الْمُتُونُ إلَى إصْلَاحٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَنَقَدَ الثَّمَنَ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَمَاتَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْبَائِعِ كَانَ عَلَى بَائِعِ الْعَبْدِ زَكَاةُ الْمِائَتَيْنِ

وَكَذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَمَّا عَلَى الْبَائِعِ فَلِأَنَّهُ مَلَكَ الثَّمَنَ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَبِمَوْتِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَالْمُشْتَرِي أَخَذَ عِوَضَ الْعَبْدِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةً كَانَ عَلَى الْبَائِعِ زَكَاةُ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ مَلَكَ الثَّمَنَ وَمَضَى عَلَيْهِ الْحَوْلُ عِنْدَهُ وَبِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ لَحِقَهُ دَيْنٌ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْمِائَتَيْنِ، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْمِائَتَيْنِ حَوْلًا كَامِلًا وَبِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ اسْتَفَادَ الْمِائَتَيْنِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ اهـ.

وَشَرَطَ فَرَاغَهُ عَنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَعَهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَاعْتُبِرَ مَعْدُومًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَطَشِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَحِلُّ مَعَ ثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى مَالِهِ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ كَالْمُكَاتَبِ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْمِلْكِ؛ وَلِذَا يَأْخُذُهُ الْغَرِيمُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَلَا رِضًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ، وَلَوْ صَدَاقَ زَوْجَتِهِ الْمُؤَجَّلَ إلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ وَقِيلَ الْمَهْرُ الْمُؤَجَّلُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ عَادَةً بِخِلَافِ الْمُعَجَّلِ وَقِيلَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَلَى عَزْمِ الْأَدَاءِ مَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ دَيْنًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ إذَا صَارَتْ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِالْقَضَاءِ وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ إذَا صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقَيَّدَ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ فِي الْبَدَائِعِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ إلَّا زَكَاةَ السَّنَةِ الْأُولَى) ، وَهِيَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَنِصْفُ فَتْحٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا، وَإِلَّا فَعَلَى قَوْلِهِ يُزَكِّي فِي الْأُولَى عَنْ ثَمَانِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ، وَلَا زَكَاةَ فِي الْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْخُمُسِ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَيَكُونُ الْبَاقِي مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ سَبْعَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَسَبْعِينَ فَيُزَكِّي عَنْ سَبْعِمِائَةٍ وَسِتِّينَ عِنْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>