للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَيْدٍ آخَرَ، وَهُوَ قَلِيلُ الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ طَوِيلَةً فَإِنَّهَا تَسْقُطُ، وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا وَشَمِلَ كَلَامُهُ كُلَّ دَيْنٍ

وَفِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُرَادُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَتَّى لَا يَمْنَعُ دَيْنُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ، وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِصُ بِهِ النِّصَابُ، وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا، وَهُوَ الْإِمَامُ فِي السَّوَائِمِ، وَنُوَّابُهُ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ كَانَ الْمُلَّاكُ نُوَّابَهُ اهـ.

وَكَذَا لَا يَمْنَعُ دَيْنُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَوُجُوبُ الْحَجِّ وَهَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَدَيْنُ النَّذْرِ لَا يَمْنَعُ وَمَتَى اُسْتُحِقَّ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ بَطَلَ النَّذْرُ فِيهِ بَيَانُهُ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نَذَرَ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهَا، وَحَالَ الْحَوْلُ سَقَطَ النَّذْرُ بِقَدْرِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ وَيَتَصَدَّقُ لِلنَّذْرِ بِسَبْعَةٍ وَتِسْعِينَ وَنِصْفٍ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ بِتَعْيِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يَبْطُلُ بِتَعْيِينِهِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ نَذَرَ بِمِائَةٍ مُطْلَقَةٍ لَزِمَتْهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَنْذُورِ بِهِ الذِّمَّةُ فَلَوْ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ لِلزَّكَاةِ، وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهَا عَنْ النَّذْرِ اهـ.

فَلَوْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ، وَلَمْ يُزَكِّهِ فِيهِمَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي، وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يُزَكِّهَا حَوْلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلِلْحَوْلِ الثَّانِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَمْ يُزَكِّهِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ غَيْرَهُ، وَحَالَ عَلَى النِّصَابِ الْمُسْتَفَادِ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِاشْتِغَالِ خَمْسَةٍ مِنْهُ بِدَيْنِ الْمُسْتَهْلِكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يُسْتَهْلَكْ بَلْ هَلَكَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْمُسْتَفَادِ لِسُقُوطِ زَكَاةِ الْأَوَّلِ بِالْهَلَاكِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ اُسْتُهْلِكَ قَبْلَ الْحَوْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَمِنْ فُرُوعِهِ مَا إذَا بَاعَ نِصَابَ السَّائِمَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ بِسَائِمَةٍ مِثْلِهَا أَوْ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ يُرِيدُ بِهِ الْفِرَارَ مِنْ الصَّدَقَةِ، أَوْ لَا يُرِيدُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْبَدَلِ إلَّا بِحَوْلٍ جَدِيدٍ أَوْ يَكُونُ لَهُ مَا يَضُمُّهُ إلَيْهِ فِي صُورَةِ الدَّرَاهِمِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِبْدَالَهُ السَّائِمَةَ بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا اسْتِهْلَاكٌ بِخِلَافِ غَيْرِ السَّائِمَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَقَالُوا دَيْنُ الْخَرَاجِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالَبُ بِهِ، وَكَذَا إذَا صَارَ الْعُشْرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ أَتْلَفَ الطَّعَامَ الْعُشْرِيَّ صَاحِبُهُ فَأَمَّا وُجُوبُ الْعُشْرِ فَلَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالطَّعَامِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ لِلْمَدْيُونِ نُصُبٌ يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى الْأَيْسَرِ قَضَاءً فَيَصْرِفُ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ثُمَّ إلَى عُرُوضِ التِّجَارَةِ ثُمَّ إلَى السَّوَائِمِ، فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا صَرَفَ إلَى أَقَلِّهَا حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ وَخَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ صَرَفَ إلَى الْغَنَمِ أَوْ إلَى الْإِبِلِ دُونَ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّ التَّبِيعَ فَوْقَ الشَّاةِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا خُيِّرَ كَأَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ وَخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَقِيلَ: يَصْرِفُ إلَى الْغَنَمِ لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ هَكَذَا أَطْلَقُوا

وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنْ يُحْضِرَ الْمُصَدِّقَ أَيْ السَّاعِيَ فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ فَالْخِيَارُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ إنْ شَاءَ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى السَّائِمَةِ وَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ شَاءَ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْمَالِ هُمَا سَوَاءٌ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ: وَأَمَّا الدَّيْنُ الْمُعْتَرِضُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَمْنَعُ بِمَنْزِلَةِ نُقْصَانِهِ اهـ.

وَتَقْدِيمُهُمْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَبْرَأَهُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا جَدِيدًا إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا

وَأَمَّا الْحَادِثُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَعَلَى هَذَا مَنْ ضَمِنَ دَرَكًا فِي بَيْعٍ فَاسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الدَّيْنَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَبِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لَوْ اسْتَقْرَضَ أَلْفًا فَكَفَلَ عَنْهُ عَشَرَةٌ وَلِكُلٍّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَتَقْدِيمُهُمْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ آخِرَ بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا قَوْلُ زُفَرَ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى الدَّيْنَ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا وَقَالَ زُفَرُ يَقْطَعُ اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَدَمَ الْقَطْعِ أَيْ عَدَمَ مَنْعِهِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافَ مَا هُنَا فَتَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَلَعَلَّهُ يُفِيدُ التَّوْفِيقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>