للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسُقُوطِهِ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ لِأَنَّهُ بِالضَّمِّ صَارَ كَالْمَوْجُودِ فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ اهـ.

وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجِبُ زَكَاتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الدَّيْنِ أَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ، قِيلَ: لَا يَكُونُ نِصَابًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ نَاقِصٌ بِافْتِقَادِ الْيَدِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكُونُ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ مَالٍ كَانَتْ يَدُهُ ثَابِتَةً عَلَيْهِ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ احْتِوَاءُ الْيَدِ عَلَى الْعِوَضِ فَتُعْتَبَرُ يَدُهُ بَاقِيَةً عَلَى النِّصَابِ بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ شَرْعًا اهـ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ مَعْنَاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ

وَأَمَّا بَعْدَ قَبْضِهِ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ فِيمَا مَضَى كَالدَّيْنِ الْقَوِيِّ، وَفِي الْمُحِيطِ: رَجُلٌ وَهَبَ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلِ وَوَكَّلَ بِقَبْضِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَقَبْضِ صَاحِبِ الْمَالِ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُبْرِئْ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَمَّا إذَا أَبْرَأَ الْمَدْيُونَ مِنْهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ ثَمَنَ مَبِيعِ أَوْ قَرْضًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِكَوْنِ الْمَدْيُونِ مُعْسِرًا أَمَّا لَوْ كَانَ مُوسِرًا فَهُوَ اسْتِهْلَاكٌ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلنَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا قِسْمَانِ خِلْقِيٌّ وَفِعْلِيٌّ فَالْخِلْقِيُّ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِلِانْتِفَاعِ بِأَعْيَانِهَا فِي دَفْعِ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِعْدَادِ مِنْ الْعَبْدِ لِلتِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ؛ إذْ النِّيَّةُ لِلتَّعْيِينِ، وَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ لِلتِّجَارَةِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا نَوَى التِّجَارَةَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا، أَوْ نَوَى النَّفَقَةَ، وَالْفِعْلِيُّ مَا سِوَاهُمَا فَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِعْدَادُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ إذَا كَانَتْ عُرُوضًا، وَكَذَا فِي الْمَوَاشِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّةِ الْإِسَامَةِ؛ لِأَنَّهَا كَمَا تَصْلُحُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ وَلِلرُّكُوبِ ثُمَّ نِيَّةُ التِّجَارَةِ وَالْإِسَامَةِ لَا تُعْتَبَرُ مَا لَمْ تَتَّصِلْ بِفِعْلِ التِّجَارَةِ وَالْإِسَامَةِ ثُمَّ نِيَّةُ التِّجَارَةِ قَدْ تَكُونُ صَرِيحًا، وَقَدْ تَكُونُ دَلَالَةً فَالصَّرِيحُ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ عَقْدِ التِّجَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوكُ بِهِ لِلتِّجَارَةِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعَقْدُ شِرَاءً أَوْ إجَارَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ أَوْ مِنْ الْعُرُوضِ فَلَوْ نَوَى أَنْ يَكُونَ لِلْبِذْلَةِ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ، فَخَرَجَ مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَالْمِيرَاثِ فَلَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ النُّقُودِ إلَّا إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ

وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ وَرِثَ سَائِمَةً كَانَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ نَوَى، أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَخَرَجَ أَيْضًا مَا إذَا دَخَلَ مِنْ أَرْضِهِ حِنْطَةٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا قِيمَةَ نِصَابٍ، وَنَوَى أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَبِيعَهَا وَأَمْسَكَهَا حَوْلًا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ، وَزَرَعَهَا فِي أَرْضِ عُشْرٍ اسْتَأْجَرَهَا كَانَ فِيهَا الْعُشْرُ لَا غَيْرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ إنَّمَا عَلَيْهِ حَقُّ الْأَرْضِ مِنْ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ، وَخَرَجَ مَا مَلَكَهُ بِعَقْدٍ لَيْسَ فِيهِ مُبَادَلَةٌ أَصْلًا كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ أَوْ مَلَكَهُ بِعَقْدٍ هُوَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ كَالْمَهْرِ، وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَبَدَلِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ كَسْبُ الْمَالِ بِبَدَلٍ هُوَ مَالٌ، وَالْقَبُولُ هُنَا اكْتِسَابُ الْمَالِ بِغَيْرِ بَدَلٍ أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِعَمَلِ التِّجَارَةِ كَذَا صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدْنَا بِبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لِلتِّجَارَةِ إذَا قَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً، وَدُفَعَ بِهِ فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ عُرُوضًا، وَنَوَى أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ

وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ اشْتَرَى عُرُوضًا لِلْبِذْلَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْإِطْلَاقِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الضَّعِيفِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.

أَيْ لِأَنَّ الضَّعِيفَ لَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَا لَمْ يَمْضِ حَوْلٌ فَيَكُونُ إبْرَاءُ الْمُوسِرِ اسْتِهْلَاكًا قَبْلَ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ) نَصُّ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ: وَلَوْ اسْتَقْرَضَ عُرُوضًا، وَنَوَى أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يَنْقَلِبُ مُعَاوَضَةَ الْمَالِ بِالْمَالِ فِي الْعَاقِبَةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَاسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، وَلَمْ يَسْتَهْلِكْ الْأَقْفِزَةَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَيَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ دُونَ الْجِنْسِ الَّذِي لَيْسَ بِمَالِ الزَّكَاةِ فَقَوْلُهُ: اسْتَقْرَضَ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْرَضَ لِلتِّجَارَةِ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ، وَهُوَ تَبَرُّعٌ لَا تِجَارَةٌ فَلَمْ تُوجَدْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ مُقَارِنَةً لِلتِّجَارَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ اهـ. كَلَامُ الْبَدَائِعِ

فَعَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْجَامِعِ إذَا نَوَى التِّجَارَةَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا اسْتَقْرَضَهُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْصَرِفُ إلَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي فِي يَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ حَتَّى لَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْأَقْفِزَةِ الَّتِي اسْتَقْرَضَهَا يَضُمُّ مَا زَادَ فِي قِيمَتِهَا إلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ الَّتِي فِي يَدِهِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا أَيْضًا، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَزِدْ صُرِفَ الْقَرْضُ إلَيْهَا، وَإِنْ لَزِمَ نَقْصُهَا عَنْ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهَا تُضَمُّ إلَى مَالِ التِّجَارَةِ فَيُزَكِّي عَنْهُمَا جَمِيعًا إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنَّ مَا اسْتَظْهَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ خِلَافُ الْأَصَحِّ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>