للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمِهْنَةِ ثُمَّ نَوَى أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ مَا لَمْ يَبِعْهَا فَيَكُونُ بَدَلُهَا لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ عَمَلٌ فَلَا تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى أَنْ تَكُونَ لِلْبِذْلَةِ خَرَجَ عَنْ التِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَمَلِ فَتَتِمُّ بِهَا قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ وَالصَّائِمُ وَالْكَافِرُ وَالْعَلُوفَةُ وَالسَّائِمَةُ حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا، وَلَا مُفْطِرًا، وَلَا مُسْلِمًا، وَلَا سَائِمَةً، وَلَا عَلُوفَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَيَكُونُ مُقِيمًا وَصَائِمًا وَكَافِرًا بِالنِّيَّةِ اهـ.

فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْعَلُوفَةِ وَالسَّائِمَةِ، وَالْمَنْقُولُ فِي النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْعَلُوفَةَ لَا تَصِيرُ سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَالسَّائِمَةُ تَصِيرُ عَلُوفَةً بِمُجَرَّدِهَا، وَقَدْ ظَهَرَ لِي التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَوَى أَنْ تَكُونَ السَّائِمَةُ عَلُوفَةً، وَهِيَ فِي الْمَرْعَى، وَلَمْ يُخْرِجْهَا بَعْدُ فَإِنَّهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَا تَكُونُ عَلُوفَةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ، وَهُوَ إخْرَاجُهَا مِنْ الْمَرْعَى، وَلَمْ يُرِدْ بِالْعَمَلِ أَنْ يَعْلِفَهَا، وَكَلَامُ غَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَوَى أَنْ تَكُونَ عَلُوفَةً بَعْدَ إخْرَاجِهَا مِنْ الْمَرْعَى، وَهَذَا التَّوْفِيقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي النِّهَايَةِ فِي تَعْرِيفِ السَّائِمَةِ فَلْيُرَاجَعْ

وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَهِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ بِعَرَضِ التِّجَارَةِ أَوْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ بِعَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ فَيَصِيرَ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ صَرِيحًا لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ الِاخْتِلَافَ فِي بَدَلِ مَنَافِعِ عَيْنٍ مُعَدَّةٍ لِلتِّجَارَةِ فَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ لِلتِّجَارَةِ بِلَا نِيَّةٍ، وَفِي الْجَامِعِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَمَشَايِخُ بَلْخٍ كَانُوا يُصَحِّحُونَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ، وَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ لَكِنْ قَدْ يَقْصِدُ بِبَدَلِ مَنَافِعِهَا الْمَنْفَعَةَ فَيُؤَاجِرُ الدَّابَّةَ لِيُنْفِقَ عَلَيْهَا وَالدَّارَ لِلْعِمَارَةِ فَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ مَعَ التَّرَدُّدِ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ لِلْوُجُوبِ مَا يَشْتَرِيهِ الْمُضَارِبُ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا أَوْ نَوَى الشِّرَاءَ لِلنَّفَقَةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى عَبِيدًا بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ثُمَّ اشْتَرَى لَهُمْ كِسْوَةً وَطَعَامًا لِلنَّفَقَةِ كَانَ الْكُلُّ لِلتِّجَارَةِ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الشِّرَاءَ لِلتِّجَارَةِ بِمَالِهَا، وَإِنْ نَصَّ عَلَى النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ إذَا اشْتَرَى عَبِيدًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ اشْتَرَى لَهُمْ طَعَامًا وَثِيَابًا لِلنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَيَدْخُلُ فِي نِيَّةِ التِّجَارَةِ مَا يَشْتَرِيهِ الصَّبَّاغُ بِنِيَّةِ أَنْ يَصْبُغَ بِهِ لِلنَّاسِ بِالْأُجْرَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، وَضَابِطُهُ أَنَّ مَا يَبْقَى أَثَرُهُ فِي الْعَيْنِ فَهُوَ مَالُ التِّجَارَةِ، وَمَا لَا يَبْقَى أَثَرُهُ فِيهَا فَلَيْسَ مِنْهُ كَصَابُونِ الْغَسَّالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ الْعِلْمَ بِهِ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا بِالْكَوْنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِكُلِّ عِبَادَةٍ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ ذَكَرَ الشُّرُوطَ الْعَامَّةَ هُنَا كَالْإِسْلَامِ وَالتَّكْلِيفِ فَيَنْبَغِي ذِكْرُهُ أَيْضًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَشَرْطُ أَدَائِهَا نِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ لِلْأَدَاءِ أَوْ لِعَزْلِ مَا وَجَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ) بَيَانٌ لِشَرْطِ الصِّحَّةِ فَإِنَّ شَرَائِطَهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: شَرَائِطُ وُجُوبٍ، وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ إلَّا الْحَوْلَ، فَإِنَّهُ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاء بِدَلِيلِ جَوَازِ التَّعْجِيلِ قَبْلَهُ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ شَرْطُ الصِّحَّةِ لِكُلِّ عِبَادَةٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ عَلِمْت مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا لِلَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا بَيَانُ تَفَاصِيلِهَا، وَالْأَصْلُ اقْتِرَانُهَا بِالْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَيَخْرُجُ بِاسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ عِنْدَ كُلِّ دَفْعٍ فَاكْتَفَى بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُ بِلَا نِيَّةٍ فِيمَا إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْهُ، وَقَدْ وَصَلَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِدَفْعِ الْمُزَاحِمِ فَلَمَّا أَدَّى الْكُلَّ زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ، أَطْلَقَ الْمُقَارَنَةَ فَشَمِلَ الْمُقَارَنَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْحُكْمِيَّةَ كَمَا إذَا دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ حَضَرَتْهُ النِّيَّةُ وَالْمَالُ قَائِمٌ فِي يَدِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى بَعْدَ هَلَاكِهِ وَكَمَا إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِدَفْعِ زَكَاةِ مَالِهِ وَنَوَى الْمَالِكُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ فَدَفَعَ الْوَكِيلُ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَدِّي حَقِيقَةً، وَلَوْ دَفَعَهَا إلَى ذِمِّيٍّ لِيَدْفَعَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ جَازَ لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْ الْآمِرِ وَلَوْ أَدَّى زَكَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ لَمْ

ــ

[منحة الخالق]

نَحْوَ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ الْمَارَّةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَيْ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْقَرْضِ لَا تَعْمَلُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ بِمَعْنَى الْعَارِيَّةُ، وَنِيَّةُ الْعَوَارِيِّ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَمَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً لِغَيْرِ التِّجَارَةِ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً كَانَتْ عِنْدَ الْمُقْرِضِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهَا إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَادَتْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، وَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ الْمُقْرِضِ لِلتِّجَارَةِ، فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَادَتْ لِلتِّجَارَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمَنْقُولُ فِي النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: فِي الدِّرَايَةِ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ السَّائِمَةَ أَوْ يَسْتَعْمِلَهَا أَوْ يَعْلِفَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْعَمَلَ، وَلَمْ يَعْمَلْ فَلَمْ يَنْعَدِمْ بِهِ وَصْفُ الْإِسَامَةِ، وَلَوْ نَوَى فِي الْعَلُوفَةِ صَارَتْ سَائِمَةً؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِسَامَةِ يَثْبُتُ بِتَرْكِ الْعَمَلِ، وَقَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ حَقِيقَةً كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْخُلَاصَةِ، وَهَذَا يُخَالِفُ النَّقْلَيْنِ فَتَدَبَّرْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>