للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَمَامِ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ فِرَارًا عَنْ الْوُجُوبِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ بَاعَهَا لِلنَّفَقَةِ لَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ احْتَالَ لِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ فَرَّ مِنْ الْوُجُوبِ بُخْلًا لَا تَأْثِيمًا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَجَبَ سِنٌّ، وَلَمْ يُوجَدْ دَفَعَ أَعْلَى مِنْهَا، وَأَخَذَ الْفَضْلَ أَوْ دُونَهَا، وَرَدَّ الْفَضْلَ أَوْ دَفَعَ الْقِيمَةَ) بَيَانٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى: لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ كَبِنْتِ مَخَاضٍ مَثَلًا، وَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ فَصَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْأَعْلَى وَاسْتَرَدَّ الْفَضْلَ أَوْ الْأَدْنَى وَرَدَّ الْفَضْلَ فَقَدْ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ دُونَ السَّاعِي فِيهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَالَ لَيْسَ لِلسَّاعِي إذَا عَيَّنَ الْمَالِكُ سِنًّا أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَاسْتَثْنَى فِي الْهِدَايَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ دَفْعَ الْأَعْلَى وَأَخْذَ الْفَضْلِ مِنْ السَّاعِي فَإِنَّهُ لَا إجْبَارَ عَلَى السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ خِيَارٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَتَبِعَهُ فِي التَّبْيِينِ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ بِطَرِيقِ الْيُسْرِ فَإِذَا كَانَ لِلسَّاعِي وِلَايَةُ الِامْتِنَاعِ مِنْ قَبُولِ الْأَعْلَى يَلْزَمُ الْعُسْرُ، وَفِي ذَلِكَ الْعَوْدُ عَلَى الْمَوْضُوعِ بِالنَّقْضِ فَلَا يَجُوزُ وَأَيْضًا فِيهِ خِلَافُ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ الْحِقَّةُ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَكَذَلِكَ مَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ يُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِي الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ دَلِيلُنَا عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَتَقْدِيرُ الْفَضْلِ بِالْعَشْرَيْنِ أَوْ الشَّاتَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ لَا أَنَّهُ تَقْدِيرٌ لَازِمٌ اهـ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ شِرَاءٌ، وَلَا إجْبَارَ فِيهِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ شِرَاءً حَقِيقِيًّا، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ الْإِجْبَارِ ضَرَرٌ بِالسَّاعِي لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ فِيهِمَا لَكِنْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمُصَدِّقِ أَيْ السَّاعِي وَرَدَّهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ بِأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ

وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْخِيَارَ لِصَاحِبِ الْمَالِ دُونَ الْمُصَدِّقِ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْعَيْنِ لِأَجْلٍ الْوَاجِبِ فَالْمُصَدِّقُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَنْ كَانَ الْوَاجِبُ بِنْتَ لَبُونٍ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْحِقَّةِ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ فَالْمُصَدِّقُ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْقِيصِ الْعَيْنِ وَالتَّشْقِيصُ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ فَكَانَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَعَ الْعَيْبِ يُسَاوِي قَدْرَ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ إجْبَارَ الْمُصَدِّقِ عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ اهـ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ جَبْرَهُ عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ مُسْتَقِيمٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي التَّشْقِيصِ إضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ فَلَمْ يَمْلِكْ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ فَاسْتَقَامَ مَا فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْخِيَارَ الْمَذْكُورَ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ بِعَدَمِ وُجُودِ السِّنِّ الْوَاجِبِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَهُوَ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ مَعَ وُجُودِ السِّنِّ الْوَاجِبِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَدَاءَ الْقِيمَةِ بَدَلٌ عَنْ الْوَاجِبِ حَتَّى لَقَّبَ الْمَسْأَلَةَ بِالْإِبْدَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْبَدَلِ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْأَصْلِ، وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ جَائِزٌ عِنْدَنَا اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْوَاجِبُ فِيمَا عَدَا السَّوَائِمَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ مَعْنًى لَا صُورَةً، وَعِنْدَهُمَا صُورَةً وَمَعْنًى لَكِنْ يَجُوزُ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ مَعْنًى

ــ

[منحة الخالق]

لَا إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ؛ إذْ رُبَّمَا يَخَافُ عَدَمَ امْتِثَالِ أَمْرِهِ - تَعَالَى - فَيَكُونُ عَاصِيًا، وَالْفِرَارُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ طَاعَةٌ، وَفِي الْمُحِيطِ هَذَا أَصَحُّ وَمُحَمَّدٌ خَالَفَهُ أَيْ أَبَا يُوسُفَ وَكَرِهَ حِيلَةَ دَفْعِهَا وَمَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَ قَوْلَهُ الشَّيْخُ حَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ؛ لِأَنَّ فِي الْحِيلَةِ إضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ وَقَصْدَ إبْطَالِ حَقِّهِمْ مَآلًا وَكَذَا الْخِلَافُ فِي حِيلَةِ دَفْعِ الشُّفْعَةِ، وَأَمَّا الِاحْتِيَالُ بَعْدَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَيُكْرَهُ اتِّفَاقًا وَقِيلَ: الْفَتْوَى فِي الشُّفْعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الزَّكَاةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَتَحْرُمُ حِيلَةُ دَفْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ حَتَّى أَفْسَدَ مَالِكٌ الْبَيْعَ لِدَفْعِ الْوُجُوبَ، وَحَرَّمَ الشَّافِعِيُّ الْبَيْعَ لَهُ، وَإِنْ صَحَّ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ نَقَصَ النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ أَوْ بَاعَهُ أَوْ بَدَّلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا فَلَا تَسْقُطُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي ذَلِكَ الْعَوْدُ عَلَى الْمَوْضُوعِ بِالنَّقْضِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: كَيْفَ يَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ مَعَ جَوَازِ دَفْعِ الْقِيمَةِ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ: إنَّ الْقِيمَةَ لَا تَتَيَسَّرُ لِلْمَالِكِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْوَاجِبُ، وَلَا الْقِيمَةُ وَامْتَنَعَ السَّاعِي عَنْ أَخْذِ الْأَعْلَى لَزِمَ الْعُسْرُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ شِرَاءً حَقِيقِيًّا) قَالَ فِي النَّهْرِ: كَوْنُهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ حَقِيقَةً بَلْ ضِمْنًا لَا يَقْتَضِي الْإِجْبَارَ كَيْفَ وَالْفَاضِلُ عَنْ الْوَاجِبِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلسَّاعِي، وَلَا طَرِيقَ لِتَمَلُّكِهِ إيَّاهُ إلَّا بِالشِّرَاءِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي: أَنَّ فِيهِ إجْبَارَ الْمُصَدِّقِ عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ) لَمْ يَظْهَرْ لَنَا هَذَا الْكَلَامُ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَقَّبَهُ، وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ تَسْلِيمٌ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرَّ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا إذَا دَفَعَ الْبَعْضَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ، وَالزَّائِدُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ لَا أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَةَ الزَّائِدِ، وَلَا كَانَ هَذَا عَيْنَ دَفْعِ الْأَعْلَى، وَأَخْذَ الْفَضْلِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَشْقِيصٌ أَصْلًا فَتَدَبَّرْ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ رَاجِعٌ إلَى إطْلَاقِ قَوْلِ الْبَدَائِعِ أَوَّلًا أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>