للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ عِنْدَهُمْ عَائِدٌ إلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَنَحْوُهُ، وَضَمِيرُ الْجَمَاعَةِ فِي عِنْدَهُمْ عَائِدٌ إلَى الْبُغَاةِ أَيْ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْبُغَاةِ وَأَطْلَقَ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ كَالْمُسْلِمِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَقَامَ فِيهَا سِنِينَ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ لِعَدَمِ الْحِمَايَةِ وَنُفْتِيهِ بِأَدَائِهَا إنْ كَانَ عَالِمًا بِوُجُوبِهَا وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَهُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَجَّلَ ذُو نِصَابٍ لِسِنِينَ أَوْ لِنُصُبٍ صَحَّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ لِسَنَةٍ وَلِسِنِينَ كَمَا إذَا كَفَرَ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِيَّةِ، وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ تَابِعٌ لَهُ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: ذُو نِصَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ تَمَامَهُ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى النِّصَابِ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ شَرْطَانِ آخَرَانِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ النِّصَابُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، وَأَنْ يَكُونَ كَامِلًا فِي آخِرِهِ فَتَفَرَّعَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ وَمَعَهُ نِصَابٌ ثُمَّ هَلَكَ كُلُّهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى النِّصَابِ لَمْ يَجُزْ الْمُعَجَّلُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَعَلَى الثَّانِي مَا لَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ وَحَالَ الْحَوْلُ، وَعِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَإِنْ كَانَ صَرَفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ فَالْمُعَجَّلُ نَفْلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى بَعْدَ الْحَوْلِ إلَى الْفَقِيرِ وَانْتَقَصَ النِّصَابُ بِأَدَائِهِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي فَالصَّحِيحُ وُقُوعُهَا زَكَاةً فَلَا يَسْتَرِدُّهَا؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْمُصَدِّقِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الْمَدْفُوعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّوَائِمِ وَالنُّقُودِ فِي هَذَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ فِي يَدِ السَّاعِي حَقِيقَةً أَوْ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ أَنْفَقَهَا عَلَى نَفْسِهِ قَرْضًا أَوْ أَخَذَهَا السَّاعِي مِنْ عِمَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَقِيَامِ الْعَيْنِ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَفَهَا السَّاعِي إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ فَقِيرٌ فَإِنَّهُ كَصَرْفِهَا بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ الْمُعَجَّلُ كَمَا لَوْ ضَاعَتْ مِنْ يَدِ السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ، وَوَجَدَهَا بَعْدَهُ فَلَا زَكَاةَ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا فَلَوْ لَمْ يَسْتَرِدَّهَا حَتَّى دَفَعَهَا السَّاعِي إلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إنْ كَانَ الْمَالِكُ نَهَاهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وُقُوعَهَا زَكَاةً فِيمَا إذَا أَخَذَهَا السَّاعِي مِنْ عِمَالَتِهِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ السَّوَائِمِ أَمَّا فِي السَّوَائِمِ فَلَا تَقَعُ زَكَاةً لِنُقْصَانِ النِّصَابِ، وَيَسْتَرِدُّهَا الْمَالِكُ، وَيَضْمَنُ السَّاعِي قِيمَتَهَا لَوْ بَاعَهَا وَيَكُونُ الثَّمَنُ لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ فِي السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْمُعَجِّلِ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَحِينَ تَمَّ الْحَوْلُ يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْقِيمَةِ، وَالسَّائِمَةُ لَا يَكْمُلُ نِصَابُهَا بِالدَّيْنِ بِخِلَافِ نِصَابِ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ يَكْمُلُ بِالدَّيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَسْتَفِدْ قَدْرَ مَا عَجَّلَ، وَلَمْ يَنْتَقِصْ مَا عِنْدَهُ، فَإِنْ اسْتَفَادَ صَارَ الْمُؤَدَّى زَكَاةً فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ هُنَا كَوْنُ الدَّيْنِ زَكَاةً عَنْ الْعَيْنِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمُسْتَفَادِ وَإِنْ انْتَقَصَ مَا فِي يَدِهِ فَلَا تَجِبُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَيَسْتَرِدُّ إنْ كَانَ فِي يَدِ السَّاعِي، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا، أَوْ أَكَلَهَا قَرْضًا أَوْ بِجِهَةِ الْعِمَالَةِ ضَمِنَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ نَفْسِهِ، وَهُوَ فَقِيرٌ لَا يَضْمَنُ إلَّا إنْ تَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَيَضْمَنُ عِنْدَهُ عَلِمَ بِالنُّقْصَانِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَعِنْدَهُمَا إنْ عَلِمَ، وَإِنْ كَانَ نَهَاهُ ضَمِنَ عِنْدَ الْكُلِّ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَدَقَةً تَطَوُّعًا لَوْ لَمْ يَجُزْ الْمُعَجَّلُ عَنْهَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ وُجُوهَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٌ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى سَبْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ السَّاعِي أَوْ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ قَرْضًا أَوْ عِمَالَةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ صَرَفَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ ضَاعَ مِنْ يَدِ السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ فَهِيَ إحْدَى وَعِشْرُونَ وَقَدْ عَلِمَ أَحْكَامَهَا وَبَسَطَهُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خَانْ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي مَا إذَا عَجَّلَ لِنُصُبٍ بَعْدَ مِلْكِ نِصَابٍ وَاحِدِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا مَلَكَ مَا عَجَّلَ عَنْهُ فِي سَنَةِ التَّعْجِيلِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَلْفٍ فَإِنْ اسْتَفَادَ مَالًا أَوْ رَبِحَ حَتَّى صَارَتْ أَلْفًا ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ أَلْفٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّعْجِيلُ وَسَقَطَ عَنْهُ زَكَاةُ الْأَلْفِ، وَإِنْ تَمَّ الْحَوْلُ، وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا ثُمَّ اسْتَفَادَ فَالْمُعَجَّلُ لَا يُجْزِئُ عَنْ زَكَاتِهَا، فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ الِاسْتِفَادَةِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَأَفَادَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَالْكَاكِيُّ

ــ

[منحة الخالق]

السَّابِقِ عَلَى حَالِهِ، وَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة هُنَاكَ مُؤَيِّدٌ لَهُ حَيْثُ صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي تِلْكَ الْأَمْوَالِ، وَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ، وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا كَمَا قَالَ فِي الشرنبلالية، وَفِي الْفَتْحِ مَا يُفِيدُ الْخِلَافَ لِنَقْلِهِ بِصِيغَةِ قَالُوا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهَا تُذْكَرُ فِيمَا فِيهِ خِلَافٌ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>