للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّصَابِ مِنْ جِنْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِي الضَّمِّ تَحْقِيقَ الثِّنَى فِي الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الثِّنَى إيجَابُ الزَّكَاةِ مَرَّتَيْنِ عَلَى مَالِكٍ وَاحِدٍ فِي مَالٍ وَاحِدٍ فِي حَوْلٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ مَنْفِيٌّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ثُنْيَا فِي الصَّدَقَةِ» ، وَعِنْدَهُمَا يَضُمُّ وَلَوْ جَعَلَ السَّائِمَةَ عَلُوفَةً بَعْدَمَا زَكَّاهَا ثُمَّ بَاعَهَا يَضُمُّ ثَمَنَهَا إلَى مَا عِنْدَهُ لِخُرُوجِهَا عَنْ مَالِ الزَّكَاةِ فَصَارَ كَمَالٍ آخَرَ فَلَمْ يُؤَدِّ إلَى الثِّنَى، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ الْعَبْدَ الْمُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ لِلْخِدْمَةِ ثُمَّ بَاعَهُ يَضُمُّ ثَمَنَهُ إلَى مَا عِنْدَهُ وَلَوْ أَدَّى صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدِ الْخِدْمَةِ أَوْ أَدَّى عُشْرَ طَعَامِهِ ثُمَّ بَاعَهُ ضَمَّ ثَمَنَهُ إلَى مَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلِ مَالٍ أَدَّيْت الْفِطْرَةَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِسَبَبِ رَأْسٍ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ دُونَ الْمَالِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ عَنْ أَوْلَادِهِ الْأَحْرَارِ، وَالثَّمَنُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ

وَالْعُشْرُ إنَّمَا يَجِبُ بِسَبَبِ أَرْضٍ نَامِيَةٍ لَا بِالْخَارِجِ فَلَمْ يَثْبُتْ الِاتِّحَادُ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ النَّامِيَةَ لَا يَضُمُّ ثَمَنَهَا إلَى مَا عِنْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ عِنْدَهُ نِصَابَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَحَدُهُمَا ثَمَنُ إبِلٍ مُزَكَّاةٍ فَاسْتَفَادَ نِصَابًا مِنْ جِنْسِهَا فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَى أَقْرَبِهِمَا حَوْلًا؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي عِلَّةِ الضَّمِّ وَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَفَادُ رِبْحًا أَوْ وَلَدًا ضَمَّهُ إلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ حَوْلًا؛ لِأَنَّهُ يُرَجَّحُ بِاعْتِبَارِ التَّفَرُّعِ وَالتَّوَلُّدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ؛ وَحُكْمُ التَّبَعِ لَا يُقْطَعُ عَنْ الْأَصْلِ، وَلَوْ أَدَّى زَكَاةَ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا سَائِمَةً وَعِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهَا سَائِمَةٌ لَمْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَالٍ أُدِّيَتْ الزَّكَاةُ عَنْهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ وَالزَّكَاةَ بُغَاةٌ لَمْ يُؤْخَذْ أُخْرَى) أَيْ لَمْ يُؤْخَذْ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَحْمِهِمْ، وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَفْتَوْا بِأَنْ يُعِيدُوهَا دُونَ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ مَصَارِفُ الْخَرَاجِ لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةً، وَالزَّكَاةُ مَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ، وَلَا يَصْرِفُونَهَا إلَيْهِمْ، وَقِيلَ: إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُ وَكَذَا الدَّفْعُ إلَى كُلِّ جَائِرٍ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبَعَاتِ فُقَرَاءُ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ اهـ.

أَطْلَقَ فِي الزَّكَاةِ فَشَمِلَ الْأَمْوَالَ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْأَصَحُّ أَنَّ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ إذَا نَوَوْا عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الظَّلَمَةِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ جَمِيعُ ذَلِكَ، وَكَذَا جَمِيعُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الرَّجُلِ مِنْ الْجِبَايَاتِ وَالْمُصَادَرَاتِ؛ لِأَنَّ مَا بِأَيْدِيهِمْ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبَعَاتِ فَوْقَ مَالَهُمْ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْغَارِمِينَ وَالْفُقَرَاءِ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ لِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ وَالِي خُرَاسَانَ وَكَانَ أَمِيرًا بِبَلْخٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَسَأَلَ فَأَفْتَوْهُ بِالصِّيَامِ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ لِحَشَمِهِ: إنَّهُمْ يَقُولُونَ لِي: مَا عَلَيْك مِنْ التَّبَعَاتِ فَوْقَ مَا لَكَ مِنْ الْمَالِ فَكَفَّارَتُك كَفَّارَةُ يَمِينِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَدَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِزِ سَقَطَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

وَعَلَى هَذَا فَإِنْكَارُهُمْ عَلَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى تِلْمِيذِ مَالِكٍ حَيْثُ أَفْتَى بَعْضَ مُلُوكِ الْمَغَارِبَةِ فِي كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ بِالصَّوْمِ غَيْرُ لَازِمٍ وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ اعْتِبَارٌ لِلْمُنَاسِبِ الْمَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلِاعْتِبَارِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَقْرِهِمْ لَا لِكَوْنِهِ أَشَقَّ عَلَيْهِ مِنْ الْإِعْتَاقِ لِيَكُونَ هُوَ الْمُنَاسِبَ الْمَعْلُومَ الْإِلْغَاءِ، وَكَوْنُهُمْ لَهُمْ مَالٌ، وَمَا أَخَذُوهُ خَلَطُوهُ بِهِ، وَذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَمْلِكُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ حَتَّى قَالُوا: تَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيُورَثُ عَنْهُمْ غَيْرُ ضَائِرٍ لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِمْ بِمِثْلِهِ، وَالْمَدْيُونُ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ فَقِيرٌ اهـ.

وَظَاهِرُ مَا صَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَصَحَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ قَالَ: وَبِهِ يُفْتَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ وِلَايَةُ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَلَمْ يَصِحَّ الْأَخْذُ اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: الْأَفْضَلُ لِصَاحِبِ الْمَالِ الظَّاهِرِ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ إلَى الْفُقَرَاءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَضَعُونَ الزَّكَاةَ مَوَاضِعَهَا فَأَمَّا الْخَرَاجُ فَإِنَّهُمْ يَضَعُونَهُ مَوَاضِعَهُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ الْمُقَاتِلَةُ وَهَؤُلَاءِ مُقَاتِلَةٌ اهـ.

وَفِي التَّبْيِينِ وَاشْتِرَاطُ أَخْذِهِمْ الْخَرَاجَ وَنَحْوَهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ سِنِينَ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا اهـ.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَأَفْتَوْهُ بِالصِّيَامِ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مِنْ أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَانَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ غَيْرُ ضَائِرٍ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَكَوْنُهُمْ، وَفِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ تَدَافُعًا ظَاهِرًا، وَذَلِكَ أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ يُؤْذِنُ بِغِنَائِهِ، وَجَوَازُ الصَّرْفِ إلَيْهِ يَقْتَضِي فَقْرَهُ، وَتَنَبَّهْ لِمَا قَيَّدْنَا بِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا مَرَّ، فَإِنَّهُ مِمَّا لَا غِنَى عَنْهُ هُنَا اهـ.

وَمُرَادُهُ بِمَا مَرَّ قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يُوَفِّي مِنْهُ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ فَإِنْ كَانَ زَكَّى مَا قَدَرَ عَلَى وَفَائِهِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّدَافُعُ عَنْ كَلَامِ الْمُحَقِّقِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُمْ فُقَرَاءَ - إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ - غَيْرَ مَا اسْتَهْلَكُوهُ، وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ لَهُمْ مَالٌ غَيْرُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا وُجُوبَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا عَلَى أَنَّهُ قَلِيلُ الْجَدْوَى؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ لِمَالِهِ الْغَيْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْ النَّاسِ لَا الْمُسْتَهْلَكِ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِيهِ فَبَقِيَ إشْكَالُ الْمُؤَلِّفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>