مُسْتَبْضِعٍ وَنَحْوِهِ فَلَا أَخْذَ، وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ مَشْرُوعٌ، وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّ الْعَشَّارِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ أَمْوَالَ النَّاسِ ظُلْمًا كَمَا تَفْعَلُهُ الظَّلَمَةُ الْيَوْمَ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ فَقَالَ لَهُ: أَتَسْتَعْمِلُنِي عَلَى الْمَكْسِ مِنْ عَمَلِك فَقَالَ: أَلَا تَرْضَى أَنْ أُقَلِّدَك مَا قَلَّدَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مَنْ قَسَّمَ الْجِبَايَاتِ وَالْمُؤَنَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى السَّوِيَّةِ يَكُونُ مَأْجُورًا. اهـ.
(قَوْلُهُ فَمَنْ قَالَ لَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ أَوْ أَدَّيْتُ أَنَا أَوْ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَحَلَفَ صُدِّقَ إلَّا فِي السَّوَائِمِ فِي دَفْعِهِ بِنَفْسِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَلِإِنْكَارِهِ الْوُجُوبَ وَقَدَّمْنَا أَنَّ شَرْطَ وِلَايَةِ الْأَخْذِ وُجُودُ الزَّكَاةِ فَكُلُّ مَا وُجُودُهُ مُسْقَطٌ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا ادَّعَاهُ، وَالْمُرَادُ بِنَفْيِ تَمَامِ الْحَوْلِ نَفْيُهُ عَمَّا فِي يَدِهِ، وَمَا فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي بَيْتِهِ مَالٌ آخَرُ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَمَا مَرَّ بِهِ لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ فَإِنَّ الْعَاشِرَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ لِوُجُوبِ الضَّمِّ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ إلَّا لِمَانِعٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَيَّدَ فِي الْمِعْرَاجِ الدَّيْنَ بِدَيْنِ الْعِبَادِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِنْهُ دَيْنَ الزَّكَاةِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّيْنِ فَشَمِلَ الْمُسْتَغْرِقَ لِلْمَالِ وَالْمُنْقِصَ لِلنِّصَابِ، وَهُوَ الْحَقُّ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمُحِيطِ لِمَالِهِ وَانْدَفَعَ مَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْعَاشِرَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ يُصَدِّقُهُ، وَإِلَّا لَا يُصَدِّقُهُ. اهـ.
لِأَنَّ الْمُنْقِصَ لَهُ مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ فَلَا فَرْقَ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمَارَّ إذَا قَالَ لَيْسَ فِي هَذَا الْمَالِ صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ النَّفْيِ
وَفِيهِ أَيْضًا إذَا أَخْبَرَ التَّاجِرُ الْعَاشِرَ أَنَّ مَتَاعَهُ مَرْوِيٌّ أَوْ هَرَوِيٌّ وَاتَّهَمَهُ الْعَاشِرُ فِيهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ حَلَّفَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ الصَّدَقَةَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِضْرَارِ بِهِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَّالِهِ: وَلَا تُفَتِّشُوا عَلَى النَّاسِ مَتَاعَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ ادَّعَى وَضْعَ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ، وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ، وَمُرَادُهُ أَيْضًا مَا إذَا أَدَّى بِنَفْسِهِ فِي الْمِصْرِ إلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فِيهِ وَوِلَايَةُ الْأَخْذِ بِالْمُرُورِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْأَدَاءَ بِنَفْسِهِ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ لَا يُقْبَلُ، وَإِنَّمَا لَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ أَدَّيْتُ بِنَفْسِي صَدَقَةَ السَّوَائِمِ إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلسُّلْطَانِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ ثُمَّ قِيلَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ وَقِيلَ هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ يَنْقَلِبُ نَفْلًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْإِمَامُ لِعِلْمِهِ بِأَدَائِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ تَبْرَأُ دِيَانَةً، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي جَامِعِ أَبِي الْيُسْرِ لَوْ أَجَازَ الْإِمَامُ إعْطَاءَهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يُعْطِيَ إلَى الْفُقَرَاءِ بِنَفْسِهِ جَازَ فَكَذَا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْإِعْطَاءِ اهـ.
وَإِنَّمَا حَلَفَ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَادَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا بِلَا تَحْلِيفٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ، وَهُوَ الْعَاشِرُ فِي الْأَخْذِ، وَهُوَ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَيَحْلِفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ مُتَعَذِّرٌ فِي الْحُدُودِ عَلَى مَا عُرِفَ وَبِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهَا فَانْدَفَعَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْحَلِفِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يُعْتَبَرُ عَلَامَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى وَلِصِدْقِ دَعْوَاهُ عَلَامَةً فَيَجِبُ إبْرَازُهَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ إخْرَاجَ الْبَرَاءَةِ هَلْ يَشْتَرِطُ الْيَمِينَ مَعَهَا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا أَتَى بِالْبَرَاءَةِ عَلَى خِلَافِ اسْمِ ذَلِكَ الْمُصَدِّقِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَكَانَ الْإِتْيَانُ بِهَا، وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ دَلِيلُ كَذِبِهِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ذَكَرَ الْحَدَّ الرَّابِعَ وَغَلِطَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَإِنْ جَازَ تَرْكُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ مُعَارَضَةِ الْمَنْطُوقِ بِالْمَفْهُومِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِمَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ بِمَا يَنْقُلُهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ، وَهُوَ صَرِيحٌ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمِعْرَاجِ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْخَبَّازِيَّةِ هَكَذَا، وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا يَنْقُصُ النِّصَابُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ زَكَاةً حَتَّى شُرِطَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الزَّكَاةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لِلْقُدُورِيِّ اهـ.