إنَّهَا عِبَادَةٌ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَحْضَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ أَنَّهُ أَدَّى الصَّدَقَةَ إلَى مُصَدِّقٍ آخَرَ وَظَهَرَ كَذِبُهُ أَخَذَهُ بِهَا، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ سِنِينَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ ثَابِتٌ فَلَا يَسْقُطُ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ صُدِّقَ فِيهِ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ فِيهِ الذِّمِّيُّ) لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الزَّكَاةِ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ، وَفِي التَّبْيِينِ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةٌ، وَفِي الْجِزْيَةِ لَا يُصَدَّقُ إذَا قَالَ أَدَّيْتُهَا أَنَا؛ لِأَنَّ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسُوا بِمَصَارِفَ لِهَذَا الْحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الصَّرْفِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَهُوَ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ اهـ.
وَقَوْلُهُمْ: مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةً أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُهَا مِنْ كَوْنِهِ يُصْرَفُ مَصَارِفَهَا لَا أَنَّهُ جِزْيَةٌ حَتَّى لَا تَسْقُطَ جِزْيَةُ رَأْسِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَاسْتَثْنَى فِي الْبَدَائِعِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ صَالَحَهُمْ مِنْ الْجِزْيَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ فَإِذَا أَخَذَ الْعَاشِرُ مِنْهُمْ ذَلِكَ سَقَطَتْ الْجِزْيَةُ. اهـ.
(قَوْلُهُ لَا الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي جَارِيَةٍ فِي يَدِهِ قَالَ هِيَ أُمُّ وَلَدِي فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَكَذَا فِي الْجَوَارِي؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْحِمَايَةِ لَا زَكَاةً، وَلَا ضِعْفَهَا فَلَا يُرَاعَى فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ؛ وَلِذَا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى كَلَامِهِ أَوْ لَا يُتْرَكُ الْأَخْذُ مِنْهُ إذَا ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ دُونَ أَنْ يُقَالَ: وَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَادِقًا بِأَنْ ثَبَتَ صِدْقُهُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَافِرِينَ مَعَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَخَذَ مِنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْعُمُومِ مَا إذَا قَالَ الْحَرْبِيُّ أَدَّيْت إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَثَمَّةَ عَاشِرٌ آخَرُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِئْصَالِ جَزَمَ بِهِ مُنْلَا شَيْخٌ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ بِلَفْظِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا وَتَبِعَهُ فِي التَّبْيِينِ
وَأَشَارَ بِاسْتِثْنَاءِ أُمِّ الْوَلَدِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي حَقِّ غُلَامٍ مَعَهُ هَذَا وَلَدِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يُعَشَّرُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يَثْبُتُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلنَّسَبِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعَشَّرُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ اهـ.
وَقُيِّدَ بِأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِتَدْبِيرِ عَبْدِهِ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَصِحُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ مَرَّ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ فَإِنْ كَانُوا يَدِينُونَ أَنَّهَا مَالٌ أَخَذَ مِنْهَا، وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا مِنْ مَالٍ (قَوْلُهُ: وَأُخِذَ مِنَّا رُبْعُ الْعُشْرِ، وَمِنْ الذِّمِّيِّ ضِعْفُهُ، وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ بِشَرْطِ نِصَابٍ، وَأَخْذِهِمْ مِنَّا) بِذَلِكَ أَمَرَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُعَاتَهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمُسْلِمِ زَكَاةٌ، وَمِنْ الذِّمِّيِّ صَدَقَةٌ مُضَاعَفَةٌ تُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ، وَلَيْسَتْ بِجِزْيَةٍ حَقِيقَةً، وَمِنْ الْحَرْبِيِّ بِطَرِيقِ الْحِمَايَةِ، وَتُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ بِشَرْطِ نِصَابٍ بِالثَّلَاثَةِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَأَمَّا فِي الْحَرْبِيِّ فَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ إذَا مَرَّ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْ مِثْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ، وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لَا نَأْخُذُ مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ كَانُوا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي الْجِزْيَةِ لَا يُصَدَّقُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَلَوْ ثَبَتَ أَخْذُهَا مِنْهُ لَمْ تُؤْخَذْ ثَانِيًا إذَا كَانَ الْآخِذُ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُمْ: مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةٌ إلَخْ) أَقُولُ: صَرَّحَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ بِأَنَّهُ جِزْيَةٌ حَقِيقَةً، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِهَا بِأَنَّهَا جِزْيَةٌ تُؤْخَذُ عَلَى مَالِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ جِزْيَةِ رَأْسِهِ، وَعَلَيْهِ فَالْجِزْيَةُ نَوْعَانِ جِزْيَةُ رَأْسٍ، وَجِزْيَةُ مَالٍ، وَسُمِّيَ الْمَأْخُوذُ عَلَى مَالِهِ جِزْيَةً كَمَا سَمَّى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَأْخُوذَ مِنْ مَالِ بَنِي تَغْلِبَ جِزْيَةً، وَإِنْ كَانَ ضِعْفَ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ جِزْيَةً أَوْلَى مِنْ تَسْمِيَتُهُ صَدَقَةً لِكَوْنِهِمْ غَيْرَ أَهْلٍ لَهَا إلَّا أَنَّهُمْ لَيْسَ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ جِزْيَةٌ لِرُءُوسِهِمْ غَيْرَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْعُمُومِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى حَصْرِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَدَّيْتُ إلَى عَاشِرٍ، وَثَمَّةَ عَاشِرٌ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ السُّرُوجِيُّ: وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اسْتِئْصَالِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْعَيْنِيُّ، وَتَبِعَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَارْتَضَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَّا أَنَّ كَلَامَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَحَقُّ مَا إلَيْهِ يَذْهَبُ اهـ.
(قَوْلُهُ: جَزَمَ بِهِ مُنْلَا شَيْخٌ) هُوَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِغُرَرِ الْأَفْكَارِ فِي شَرْحِ دُرَرَ الْبِحَارِ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ إلْيَاسَ الْقُونَوِيِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُنْلَا خُسْرو، وَهُوَ تَحْرِيفٌ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ كَعِبَارَةِ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ: وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلنَّسَبِ) أَيْ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَيُدَارُ الْأَمْرُ عَلَى دِيَانَتِهِمْ فَإِذَا دَانُوا ذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ مَرَّ بِجَلْدِ الْمَيْتَةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى النِّهَايَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ النِّهَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ: لَوْ مَرَّ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ إلَخْ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي بَلْ التَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا مِنْ مَالٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَبِهِ يُعْلَمُ حُرْمُهُ مَا يَفْعَلُهُ