للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ فَصَرَفَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَاَلَّذِي لَهُ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ إذَا اُحْتِيجَ إلَى النَّفَقَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ فَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُعْسِرًا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ مُوسِرًا مُعْتَرِفًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَكَذَا إذَا كَانَ جَاحِدًا وَلَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مَا لَمْ يَرْفَعْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيُحَلِّفُهُ فَإِذَا حَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ اهـ.

وَالْمُرَادُ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرَةٍ لَهَا مَهْرُ دَيْنٍ عَلَى زَوْجِهَا يَبْلُغُ نِصَابًا، وَهُوَ مُوسِرٌ بِحَيْثُ لَوْ طَلَبَتْ أَعْطَاهَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُعْطِي لَوْ طَلَبَتْ جَازَ اهـ.

وَهُوَ مُقَيِّدٌ لِعُمُومِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَهْرِ مَا تُعُورِفَ تَعْجِيلُهُ؛ لِأَنَّ مَا تُعُورِفَ تَأْجِيلُهُ فَهُوَ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَا يَمْنَعُ أَخْذَ الزَّكَاةِ، وَيَكُونُ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ إعْطَائِهِ بِمَنْزِلَةِ إعْسَارِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الدُّيُونِ بِأَنْ رَفَعَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي مِمَّا لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَوْ الْمُعَجَّلُ قَدْرَ النِّصَابِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى لِلِاحْتِيَاطِ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ النُّصُبِ الثَّلَاثَةِ آخِرَ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - (قَوْلُهُ: وَالْعَامِلُ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي بَابِ الْعَاشِرِ وَعَبَّرَ بِالْعَامِلِ دُونَ الْعَاشِرِ لِيَشْمَلَ السَّاعِيَ أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَيُعْطَى مَا يَكْفِيهِ وَأَعْوَانَهُ بِالْوَسَطِ مُدَّةَ ذَهَابِهِمْ وَإِيَابِهِمْ مَا دَامَ الْمَالُ بَاقِيًا إلَّا إذَا اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ فَلَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ قَيَّدْنَا بِالْوَسَطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ شَهْوَتَهُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ لِكَوْنِهَا إسْرَافًا مَحْضًا، وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَرْضَى بِالْوَسَطِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ، وَلَا تَقْتِيرٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُصَدِّقُ إذَا أَخَذَ عِمَالَتَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ أَوْ الْقَاضِي اسْتَوْفَى رِزْقَهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ جَازَ، وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ التَّعْجِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَعِيشَ إلَى الْمُدَّةِ اهـ.

وَقَيَّدْنَا بِبَقَاءِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الصَّدَقَةَ، وَضَاعَتْ فِي يَدِهِ بَطَلَتْ عِمَالَتُهُ، وَلَا يُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا كَذَا فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ الزِّيَادَاتِ وَمَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ صَدَقَةٌ فَلَا تَحِلُّ الْعِمَالَةُ لِهَاشِمِيٍّ لِشَرَفِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَإِنَّمَا حَلَّتْ لِلْغَنِيِّ مَعَ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِهَذَا الْعَمَلِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْكِفَايَةِ، وَالْغَنِيُّ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَنَاوُلِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ كَابْنِ السَّبِيلِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ فِيهِ شَبَهًا بِالْأُجْرَةِ وَشَبَهًا بِالصَّدَقَةِ فَلِلْأَوَّلِ يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ، وَلَا يُعْطَى لَوْ هَلَكَ الْمَالُ، أَوْ أَدَّاهَا صَاحِبُ الْمَالِ إلَى الْأَمَامِ، وَلِلثَّانِي لَا يَحِلُّ لِلْهَاشِمِيِّ، وَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْإِمَامِ، وَهُوَ نَائِبٌ عَنْ الْفُقَرَاءِ، وَلَا تَكُونُ مُقَدَّرَةً، وَفِي النِّهَايَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اُسْتُعْمِلَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأُجْرِيَ لَهُ مِنْهَا رِزْقٌ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ عَمِلَ فِيهَا وَرُزِقَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ اهـ.

وَهُوَ يُفِيدُ صِحَّةَ تَوَلِّيَتِهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ، وَمِنْ أَحْكَامِ الْعَامِلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْعَامِلَ إذَا تَرَكَ الْخَرَاجَ عَلَى الْمَزَارِعِ بِدُونِ عِلْمِ السُّلْطَانِ يَحِلُّ لَهُ لَوْ مَصْرِفًا كَالسُّلْطَانِ إذَا تَرَكَ الْخَرَاجَ لَهُ (قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبُ) أَيْ يُعَانُ الْمُكَاتَبُ فِي فَكِّ رَقَبَتِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: ٦٠] هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَوْلَاهُ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا وَهَلْ مَا يُدْفَعُ لِلْمُكَاتَبِ مِنْهَا يَكُونُ مِلْكًا لَهُ أَوْ لَا فَاَلَّذِي فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: وَالْعُدُولُ عَنْ اللَّامِ إلَى فِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْجِهَةِ لَا لِلرِّقَابِ وَقِيلَ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهَا اهـ.

وَقَالَ الطِّيبِيِّ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ اللَّامِ إلَى " فِي " فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ مُلَّاكٌ لِمَا عَسَى أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِمْ، وَالْأَرْبَعَةَ الْأَخِيرَةَ لَا يَمْلِكُونَ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ إنَّمَا يُصْرَفُ الْمَالُ فِي مَصَالِحَ تَتَعَلَّقُ بِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ بِفِي مُقَدَّرٌ بِالصَّرْفِ فَمَالُ الرِّقَابِ يَمْلِكُهُ السَّادَةُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ جَاحِدًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: بَقِيَ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَجْعَلْ الدَّيْنَ الْمَجْحُودَ نِصَابًا، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، أَوْ لَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ إذْ لَيْسَ كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، وَلَا كُلُّ بَيِّنَةٍ تُقْبَلُ وَالْجَثْوُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي ذُلٌّ وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَخْتَارُ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى هَذَا كَمَا فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ النُّصُبِ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ وَغَنِيٌّ يَمْلِكُ نِصَابًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَسَيَأْتِي أَنَّ النُّصُبَ ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهَا مَكْرُوهٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِمْ: لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ السَّاعِي أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا يُعَارِضُهُ، وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>