وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَمْ لَا فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَصْرِفٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صَرَفَ الصَّدَقَةَ إلَى مَحَلِّهَا حَيْثُ نَوَى الزَّكَاةَ عِنْدَ الدَّفْعِ وَالظَّاهِرُ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالْيَقِينِ حَتَّى لَوْ شَكَّ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَهُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ وَوَقَعَ تَطَوُّعًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي كَوْنِهِ يَطِيبُ لِلْفَقِيرِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَطِيبُ قِيلَ: يَتَصَدَّقُ بِهِ لِخُبْثِهِ، وَقِيلَ: يَرُدُّهُ عَلَى الدَّافِعِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَأَطْلَقَ الْكَافِرَ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ وَالْحَرْبِيَّ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صِفَةُ الْقُرْبَةِ أَصْلًا
وَالْحَقُّ الْمَنْعُ فَقَدْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى التُّحْفَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ، وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا لَا يَجُوزُ، وَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ صِلَّتَهُ لَا تَكُونُ بِرًّا شَرْعًا؛ وَلِذَا لَمْ يَجُزْ التَّطَوُّعُ إلَيْهِ فَلَمْ يَقَعْ قُرْبَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ كَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَأَنَّ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ دَاخِلَانِ تَحْتَ الْعَبْدِ وَالْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقُيِّدَ بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَأَعْطَاهُمْ الْوَصِيُّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ ضَامِنٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْوُسْعُ، وَالْوَصِيَّةُ حَقُّ الْعِبَادِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْحَقِيقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا يَضْمَنُ، وَلَا يَأْثَمُ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ
وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْوَصِيَّ بِشِرَاءِ دَارٍ لِيُوقِفَهَا إذَا اشْتَرَى، وَنَقَدَ الثَّمَنَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفُ الْغَيْرِ وَضَاعَ الثَّمَنُ أَنْ يَضْمَنَ الْوَصِيُّ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ فِي زَمَانِنَا وَلِأَنَّهُ اخْتَلَطَ أَوَانِي طَاهِرَةٌ بِنَجَسِهِ أَوْ ثِيَابٌ كَذَلِكَ وَكَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّاهِرِ فَتَحَرَّى فِيهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ أَوْ قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ ظَهَرَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ بَطَلَ قَضَاؤُهُ، وَهُوَ الَّذِي قَاسَ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْعِلْمَ بِالثَّوْبِ الطَّاهِرِ وَالْمَاءِ الطَّاهِرِ وَالنَّصِّ مُمْكِنٌ فَلَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْغَلَبَةِ لِلطَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لَوْ كَانَتْ لِلنَّجَسِ أَوْ اسْتَوَيَا لَا يَتَحَرَّى بَلْ يَتَيَمَّمُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ هَذَا الْحُكْمَ مُخْتَصًّا بِالْأَوَانِي أَمَّا الثِّيَابُ النَّجِسَةُ إذَا اخْتَلَطَتْ بِالطَّاهِرَةِ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَتْ النَّجِسَةُ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيَةً وَتَبِعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ أَخَذَاهُ مِنْ مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ مِنْ كِتَابِ التَّحَرِّي
وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْأَوَانِي؛ لِأَنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ لَهُ بَدَلٌ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ الطَّاهِرِ فَلَا يُضْطَرُّ إلَى التَّحَرِّي لِلْوُضُوءِ عِنْدَ غَلَبَةِ النَّجَاسَةِ لِمَا أَمْكَنَهُ إقَامَةُ الْفَرْضِ بِالْبَدَلِ حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ لِلشُّرْبِ عِنْدَ الْعَطَشِ وَعَدَمِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ يَجُوزُ التَّحَرِّي لِلشُّرْبِ فِي مَسْأَلَةِ الثِّيَابِ الضَّرُورَةِ مَسَّتْ لِلتَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّتْرِ بَدَلٌ
ــ
[منحة الخالق]
الْبَابِ، وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ وَقَبُولُهَا سُنَّةٌ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْإِسْبِيجَابِيِّ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ دَفْعُ الزَّكَاةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَنِيِّ الْمُعْتَبَرُ وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ حِينَئِذٍ عَدَمُ سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ بِهَذَا الدَّفْعِ فَإِذَا اجْتَزَأَ بِهِ يَكُونُ مَانِعًا لِلزَّكَاةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ فِي الْفَرْقِ وَدَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِ الْفَقِيرِ قُرْبَةً غَيْرَ الزَّكَاةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَأَنَّى يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ الْكَافِرَ إلَخْ) قَالَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ دَفَعَ إلَى حَرْبِيٍّ خَطَأً ثُمَّ تَبَيَّنَ جَازَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: اهـ.
قَالَ الْأَقْطَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ: الْآخَرُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ قَوْلُهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَيْ ذِمِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ اهـ.
وَنَصَّ فِي الْمُخْتَارِ عَلَى جَوَازِ الدَّفْعِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ، وَإِطْلَاقُهُ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ: أَوْ كَافِرٌ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالذِّمِّيِّ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الشِّبْلِيِّ شَيْخِ الْمُؤَلِّفِ صَاحِبِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ وَاقِعَةٌ فِي زَمَانِنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ الْوَصِيَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمِعْرَاجِ وُجِدَتْ مِنْهُ الْمُخَالَفَةُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالدَّفْعِ إلَى الْفُقَرَاءِ، وَقَدْ أَعْطَى إلَى الْأَغْنِيَاءِ، وَفِي الْوَاقِعَةِ لَمْ تُوجَدْ الْمُخَالَفَةُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ شِرَاءُ دَارٍ وَظُهُورُ أَنَّهَا وَقْفٌ لَا يُوجِبُ الْمُخَالَفَةَ كَالِاسْتِحْقَاقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ نَوَادِرِ هِشَامٍ رَجُلٌ تَرَكَ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ نَسَمَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهَا الْوَصِيُّ بِأَلْفٍ وَأَعْتَقَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ. وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ اهـ.
وَأَيْضًا دَارُ الْوَقْفِ تَقْبَلُ الْبَيْعَ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى فَرَّقُوا بَيْنَ ضَمِّ الْحُرِّ إلَى الْعَبْدِ وَبَيْنَ ضَمِّ الْوَقْفِ إلَى الْمِلْكِ فَسَرَى الْبُطْلَانُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي قَالَ الشَّارِحُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي مَسْأَلَةِ ضَمِّ الْوَقْفِ إلَى الْمِلْكِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ضَمِّ الْحُرِّ إلَى الْعَبْدِ الْوَقْفِ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَإِنْ صَارَ لَازِمًا بِالْإِجْمَاعِ لَكِنَّهُ يَقْبَلُ الْبَيْعَ بَعْدَ لُزُومِ الْوَقْفِ إمَّا بِشَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ أَوْ بِضِعْفِ غَلَّتِهِ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا أَوْ بِوُرُودِ غَصْبٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ انْتِزَاعُهُ فَلِلنَّاظِرِ بَيْعُهُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَوْ بِقَضَاءِ قَاضٍ حَنْبَلِيٍّ بِبَيْعِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ لِيَشْتَرِيَ بِبَدَلِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْوَقْفُ كَالْحُرِّ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لِبَيْعِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.