للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إقَامَةِ الْفَرْضِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَجِسَةً لَا يُؤْمَرُ بِالتَّوَضُّؤِ بِهَا وَلَوْ فَعَلَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فَكَذَا إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لَهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الثِّيَابِ، وَإِنْ كَانَتْ الْكُلُّ نَجِسَةً يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ فِي بَعْضِهَا فَكَذَا إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لَهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّحَرِّيَ يَجْرِي فِي مَسَائِلَ مِنْهَا الزَّكَاةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِنْهَا الْقِبْلَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْهَا مَسَائِلُ الْمَسَالِيخِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالْمَيْتَةِ فَفِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ لِلْأَكْلِ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، وَفِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي إلَّا إذَا كَانَ الْحَلَالُ غَالِبًا، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الزَّيْتِ إذَا اخْتَلَطَ بِوَدَكِ الْمَيْتَةِ

فَإِنْ كَانَ الْمُحَرَّمُ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَصْلًا لِلْأَكْلِ، وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَلَالُ غَالِبًا فَفِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ يَجُوزُ الْأَكْلُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ، وَفِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ يَحْرُمُ الْأَكْلُ وَتَنَاوُلُهُ وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِصْبَاحُ وَدَبْغُ الْجُلُودِ، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْمَوْتَى إذَا اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ غَلَبَ مَوْتَى الْكُفَّارِ أَوْ تَسَاوَيَا لَا يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ بِالْعَلَامَةِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنْهَا مَسْأَلَتَا الْأَوَانِي الْمُخْتَلِطَةِ وَالثِّيَابِ الْمُخْتَلِطَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتَا

وَأَمَّا التَّحَرِّي فِي الْفُرُوجِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً مِنْ جَوَارِيهِ بِعَيْنِهَا ثُمَّ نَسِيَهَا لَمْ يَسَعْهُ التَّحَرِّي لِلْوَطْءِ، وَلَا لِلْبَيْعِ وَمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ الدَّلَائِلِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسَائِلِ وَزِيَادَةِ التَّعْرِيفَاتِ فِي مَسَائِلِ التَّحَرِّي فَعَلَيْهِ بِكِتَابِ التَّحَرِّي مِنْ الْمَبْسُوطِ أَوَّلَ الْجُزْءِ الرَّابِعِ، وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحَرِّيَ فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ وَالِابْتِغَاءُ، وَهُوَ وَالتَّوَخِّي سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ لَفْظَ التَّوَخِّي يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّحَرِّي فِي الْعِبَادَاتِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ طَلَبُ الشَّيْءِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ غَيْرُ الشَّكِّ وَالظَّنِّ فَالشَّكُّ أَنْ يَسْتَوِيَ طَرَفَا الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، وَالظَّنُّ تَرَجُّحُ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَالتَّحَرِّي تَرَجُّحُ أَحَدِهِمَا بِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَهُوَ دَلِيلٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى طَرَفِ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَا يُوجِبُ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ وَيَلْحَقُ بِالتَّحَرِّي فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ مَا لَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ جَالِسًا فِي صَفِّ الْفُقَرَاءِ يَصْنَعُ صَنِيعَهُمْ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْفُقَرَاءِ أَوْ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ فَهَذِهِ الْأَسْبَابُ بِمَنْزِلَةِ التَّحَرِّي كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ غَنِيٌّ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ الْإِغْنَاءُ وَنُدِبَ عَنْ السُّؤَالِ) أَيْ كُرِهَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى فَقِيرٍ مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا وَنُدِبَ الْإِغْنَاءُ عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ وَإِنَّمَا صَحَّ الْإِغْنَاءُ؛ لِأَنَّ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ فَيَتَعَقَّبُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ لِقُرْبِ الْغِنَى مِنْهُ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَوْلُهُ: فَيَتَعَقَّبُهُ صَرِيحٌ فِي تَعَقُّبِ حُكْمِ الْعِلَّةِ إيَّاهَا فِي الْخَارِجِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَتَعَقَّبَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِنَا مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا يَجُوزُ تَأَخُّرُهُ عَنْهَا بَلْ هُمَا كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ يَقْتَرِنَانِ وَأَجَابَا بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ عِلَّةُ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ عِلَّةُ الْغِنَى فَكَانَ الْغِنَى مُضَافًا إلَى الْأَدَاءِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ فَكَانَ لِلْأَدَاءِ شُبْهَةُ السَّبَبِ الْحَقِيقِيِّ، وَالسَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحُكْمِ حَقِيقَةً، وَمَا يُشْبِهُ السَّبَبَ مِنْ الْعِلَلِ لَهُ شُبْهَةُ التَّقَدُّمِ اهـ.

وَإِنَّمَا عَمَّمْنَا فِي الْمَدْفُوعِ، وَلَمْ نُقَيِّدْهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَأْخُذُ وَاحِدًا، وَيَرُدُّ وَاحِدًا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا يَصِيرُ غَنِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَأَكْثَرَ لِمَدْيُونٍ لَا يَفْضُلُ لَهُ بَعْدَ دَيْنِهِ نِصَابٌ لَا يُكْرَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعِيلًا إذَا وَزَّعَ الْمَأْخُوذَ عَلَى عِيَالِهِ لَمْ يُصِبْ كُلًّا مِنْهُمْ نِصَابٌ وَأَطْلَقَ فِي اسْتِحْبَابِ الْإِغْنَاءِ عَنْ السُّؤَالِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِأَدَاءِ قُوتِ يَوْمِهِ كَمَا وَقَعَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْأَوْجَهَ النَّظَرُ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْأَحْوَالُ فِي كُلِّ فَقِيرٍ مِنْ عِيَالٍ وَحَاجَةٍ أُخْرَى كَدَيْنٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ إلَخْ) عِبَارَةُ النَّهْرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَكُرِهَ الْإِغْنَاءُ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى فَقِيرٍ مَا بِهِ يَصِيرُ غَنِيًّا إمَّا بِأَنْ يُعْطِيَهُ نِصَابًا أَوْ يُكْمِلَهُ لَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا كُرِهَ أَيْضًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ لَكِنْ الَّذِي رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَنَصُّهُ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّوْمِ قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْت أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْ الرَّجُلِ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فَتُصَدِّقَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ قَالَ يَأْخُذُ وَاحِدًا وَيَرُدُّ وَاحِدًا اهـ.

وَهُوَ كَذَلِكَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي عَلَى الدُّرَرِ ذَكَرَ مَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَازَ إعْطَاؤُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِدُونِ الْكَرَاهَةِ وَفَوْقَ الْمِائَتَيْنِ مَعَ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ

وَقَدْ رَاجَعْت الْمَنْظُومَةَ وَدُرَرَ الْبِحَارِ فَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْخِلَافَ نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ بِلَفْظِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِعْطَاءِ الْمِائَتَيْنِ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ يُكْرَهُ عِنْدَنَا فَأَفَادَ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَلَكِنْ عَلَى هَذَا يَرِدُ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ كَرَاهَةِ دَفْعِ مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا فَالْأَظْهَرُ مَا سَلَكَهُ فِي النَّهْرِ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>