وَالْكِسْوَةِ يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِالْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَأَشَارَ بِالْوَصِيَّةِ إلَى أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَإِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ كَالصَّوْمِ بِجَامِعِ أَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهَا أَهَمَّ وَيُؤَدِّي عَنْ كُلِّ وِتْرٍ نِصْفَ صَاعٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيُعْتَبَرُ كُلُّ صَلَاةٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَى أَنَّ سَائِرَ حُقُوقِهِ تَعَالَى كَذَلِكَ مَالِيًّا كَانَ أَوْ بَدَنِيًّا عِبَادَةً مَحْضَةً أَوْ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَوْ عَكْسَهُ كَالْعَشْرِ أَوْ مُؤْنَةً مَحْضَةً كَالنَّفَقَاتِ أَوْ فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَإِلَى أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَصُومُ عَنْهُ وَلَا يُصَلِّي لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِمَا أَدْرَكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ إذْ لَوْ مَاتَا قَبْلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِيصَاءُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ لَوْ أَوْصَيَا بِهِ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُمَا؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُجُوبِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الِاعْتِكَافَ ثُمَّ مَاتَ أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ أَدَائِهِ فَوَقَعَ الْقَضَاءُ بِالْإِطْعَامِ كَالصَّوْمِ فِي الصَّلَاةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ عِبَادَةً بَدَنِيَّةً فَإِنْ أَوْصَى يُطْعِمُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَنْ كُلِّ وَاجِبٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَمَا كَانَ عِبَادَةً مَالِيَّةً كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عَنْهُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْهُمَا كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ يُحِجُّ عَنْهُ رَجُلًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: وَقَضَيَا مَا قَدَرَا بِلَا شَرْطِ وِلَاءٍ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] وَاَلَّذِي فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَةٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ لَا يُزَادُ بِمِثْلِهِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مَشْهُورَةٌ فَيُزَادُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكَافِي لَكِنْ الْمُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ وَأَشَارَ بِإِطْلَاقِهِ إلَى أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مُطْلَقٌ وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَمَعْنَى التَّرَاخِي عَدَمُ تَعَيُّنِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ لِلْفِعْلِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ شَرَعَ فِيهِ كَانَ مُمْتَثِلًا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ وَيَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فِي زَمَانٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْأَدَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلِهَذَا لَهُ التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُضَيَّقِ وَلِهَذَا إذَا أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ آخَرُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا تَجِبُ خَلَفًا عَنْ الصَّوْمِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَمْ يُوجَدْ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقَضَاءِ وَلِهَذَا قَالَ (فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ قَدَّمَ الْأَدَاءَ عَلَى الْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ وَيَصُومُ الْقَضَاءَ بَعْدَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يُبَاحُ التَّأْخِيرُ إلَّا بِعُذْرٍ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ أَوْ النَّفْسِ) أَيْ لَهُمَا الْفِطْرُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» قَيَّدَ بِالْخَوْفِ بِمَعْنَى غَلَبَةِ الظَّنِّ بِتَجْرِبَةٍ أَوْ إخْبَارِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَخَفْ لَا يُرَخَّصُ لَهَا الْفِطْرُ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ إفْطَارُهُ بِسَبَبِ خَوْفِ هَلَاكِ ابْنِهِ فِي الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ فِي الْإِكْرَاهِ جَاءَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْحَقُّ فَلَا يُعْذَرُ لِصِيَانَةِ نَفْسِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَهُنَاكَ فَرْقٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي النِّهَايَةِ وَأَطْلَقَ الْمُرْضِعَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالظِّئْرِ وَأَمَّا الظِّئْرُ فَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ وَأَمَّا الْأُمُّ فَلِوُجُوبِهِ دِيَانَةً مُطْلَقًا وَقَضَاءً إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَرْضَعُ مِنْ غَيْرِهَا وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لَا الْأُمُّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا وَإِنَّمَا قَالَ إذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ وَلَمْ يَقُلْ كَالْقُدُورِيِّ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْمُسْتَأْجَرَ إذْ لَا وَلَدَ لَهَا كَذَا قِيلَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ وَلَدُهَا مِنْ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُضَافَ يَعُمُّ سَوَاءٌ كَانَ مُضَافًا لِمُفْرَدٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَشْمَلُ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ وَاَلَّذِي أَرْضَعَتْهُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهَا شَرْعًا وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا مَجَازًا
ــ
[منحة الخالق]
بِمَا مَرَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْأَقْصَرِ أَيْ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْقَتْلِ قَتْلُ الصَّيْدِ لَا قَتْلُ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إطْعَامٌ اهـ.
فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ كَيْ يَظْهَرَ الْحَقُّ.
(قَوْلُهُ: وَهُنَاكَ فَرْقٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي النِّهَايَةِ) وَهُوَ أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ مَأْمُورَةٌ بِصِيَانَةِ الْوَلَدِ مَقْصُودًا وَلَا يَتَأَتَّى بِدُونِ الْإِفْطَارِ عِنْدَ الْخَوْفِ فَكَانَتْ مَأْمُورَةً أَيْضًا بِالْإِفْطَارِ وَالْأَمْرُ بِهِ مَعَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي بِنَاؤُهَا عَلَى الزَّجْرِ عَنْهُ لَا يَجْتَمِعَانِ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ غَيْرُ مَأْمُورٍ قَصْدًا بِصِيَانَةِ غَيْرِهِ بَلْ نَشَأَ الْأَمْرُ هُنَاكَ مِنْ ضَرُورَةِ حُرْمَةِ الْقَتْلِ وَالْحُكْمُ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَمْرِ الْقَصْدِيِّ وَالضِّمْنِيِّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ وَلَدُهَا مِنْ الرَّضَاعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ أَرْضَعَتْهُ وَالْحُكْمُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَوْ خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ جَازَ لَهَا الْفِطْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute