أَقَامَا الْوَقْتَ مُقَامَ الْوَاجِبِ كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَفِي الصَّوْمِ بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ وَفِي الزَّكَاةِ بِاسْتِغْرَاقِ الْحَوْلِ وَأَبُو يُوسُفَ جَعَلَ أَكْثَرَهُ كَكُلِّهِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَقَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ كَالْجُنُونِ الْمُمْتَدِّ وَإِذَا عَقَلَ تَأَهَّلَ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ إلَّا الْإِيمَانَ وَأَمَّا النَّائِمُ فَلِكَوْنِ النَّوْمِ مُوجِبًا لِلْعَجْزِ لَزِمَ تَأْخِيرُ خِطَابِ الْأَدَاءِ لَا أَصْلِ الْوُجُوبِ وَلِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ إذَا زَالَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَلَمَّا كَانَ لَا يَمْتَدُّ غَالِبًا لَمْ يَسْقُطْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَالْإِغْمَاءُ فَوْقَهُ وَإِنْ امْتَدَّ فِي الصَّلَوَاتِ بِأَنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ جُعِلَ عُذْرًا مُسْقِطًا لَهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِكَوْنِهِ غَالِبًا وَلَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ شَهْرًا نَادِرٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي إيجَابِهِ حَرَجٌ بِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْأَعْذَارَ أَرْبَعَةٌ صِبًا وَجُنُونٌ وَإِغْمَاءٌ وَنَوْمٌ وَقَدْ عُلِمَ أَحْكَامُهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
(قَوْلُهُ: وَبِإِمْسَاكٍ بِلَا نِيَّةِ صَوْمٍ وَفِطْرٍ) أَيْ يَجِبُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ وَلَا عِبَادَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَمَّا هِبَةُ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ فَإِنَّهَا تُسْقِطُ الزَّكَاةَ بِدُونِ نِيَّتِهَا بِاعْتِبَارِ وُجُودِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ الْإِغْمَاءُ فِي لَيْلَتِهِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْهُ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَأْوِيلُهَا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا لَا يَنْوِي شَيْئًا أَوْ مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَكُنْ حَالُهُ دَلِيلًا عَلَى عَزِيمَةِ الصَّوْمِ. اهـ.
وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ ابْتِدَاءً لَا بِأَمْرٍ يُوجِبُ النِّسْيَانَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَى بِحَالِهِ بِخِلَافِ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِغْمَاءَ قَدْ يُوجِبُ نِسْيَانَهُ حَالَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فَبُنِيَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ وَأَشَارَ بِوَجَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَوْ أَكَلَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إنْ أَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ تَسَحَّرَ يَظُنُّهُ لَيْلًا وَالْفَجْرُ طَالِعٌ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ أَمْسَكَ يَوْمَهُ وَقَضَى وَلَمْ يُكَفِّرْ كَأَكْلِهِ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ نَاسِيًا وَنَائِمَةٌ وَمَجْنُونَةٌ وُطِئَتَا) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلُّزُومِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُعَظَّمٌ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْحَائِضِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ ثَابِتٌ عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا الْمُتَأَخِّرُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ أَيْضًا لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِمَا أَوَّلَ الْجُزْءِ مِنْ الْيَوْمِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَكَذَا لَوْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ بَقَاءَ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ أَوْ أَفْطَرَ ظَانًّا زَوَالَ الْيَوْمِ فَبَانَ خِلَافُهُ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ أَوْ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَلَا كَفَّارَةَ فِي هَاتَيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ وَهِيَ جِنَايَةُ عَدَمِ التَّثْبِيتِ إلَى أَنْ يَسْتَيْقِنَ لَا جِنَايَةُ الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ الْإِثْمِ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ لَا إثْمَ فِيهِ وَالْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ فِيهِ إثْمَ تَرْكِ الْعَزِيمَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّثْبِيتِ حَالَةَ الرَّمْيِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَرَادَ بِالظَّنِّ فِي قَوْلِهِ ظَنَّهُ لَيْلًا التَّرَدُّدَ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ شَيْءٌ أَوْ لَا فَيَدْخُلُ الشَّكُّ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ لَوْ ظَهَرَ طُلُوعُ الْفَجْرِ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ كَمَا لَوْ ظَنَّ وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَتَسَحَّرَ مَعَ الشَّكِّ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ تَيَقُّنَ الطُّلُوعِ لِمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ شَكَّ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ أَوْ مُتَغَيِّمَةٍ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ يَدَعُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُخْبِرْهُ رَجُلٌ عَدْلٌ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ
وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ. اهـ.
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ فَتَسَحَّرَ ثُمَّ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَفْسُدْ
ــ
[منحة الخالق]
كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَمَشَى عَلَيْهِ مُصَحِّحًا لَهُ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ.
(قَوْلُهُ: أَرَادَ بِالظَّنِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالظَّنِّ هُنَا مَا يَعُمُّ الشَّكَّ إذْ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ بَعْدُ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ كَمَا تَرَى فَالصَّوَابُ إبْقَاؤُهُ عَلَى بَابِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَسْأَلَةِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالدَّلِيلِ إذْ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْمُضَافُ إلَى غَالِبِ الظَّنِّ لَا يُوجِبُ الْيَقِينَ اهـ.
وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ كَلَامَ الظَّهِيرِيَّةِ يُفِيدُ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالطُّلُوعِ لَا تُوجِبُ الْقَضَاءَ وَلَيْسَ فَوْقَ غَلَبَةِ الظَّنِّ إلَّا الْيَقِينُ فَإِيجَابُ الْقَضَاءِ بِانْضِمَامِ خَبَرِ الْعَدْلِ إلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ مُفِيدٌ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْيَقِينِ وَمُفِيدٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْيَقِينِ مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ أَصْلًا إذْ لَا يَحْصُلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute