للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَقَوْلُهُ لَيْلًا لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ الطُّلُوعَ وَأَكَلَ مَعَ ذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ صِحَّةُ ظَنِّهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَمْ تَكْمُلْ الْجِنَايَةُ فَلَوْ قَالَ ظَنَّهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكَانَ أَوْلَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ وَإِنْ أَكَلَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ قِيلَ يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَاقِلًا عَنْ التُّحْفَةِ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قِيلَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِيضَاحِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَاللَّيْلُ أَصْلٌ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَلِلْمُحَقِّقِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثٌ فِيهِ حَسَنٌ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُتَيَقِّنَ بِهِ دُخُولُ اللَّيْلِ فِي الْوُجُودِ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِبَقَائِهِ فَهُوَ ظَنِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالِاسْتِصْحَابِ وَالْأَمَارَةِ الَّتِي بِحَيْثُ تُوجِبُ عَدَمَ ظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ فَتَعَارَضَ دَلِيلَانِ ظَنِّيَّانِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَعَدَمِهِ فَيَتَهَاتَرَانِ فَيُعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ اللَّيْلُ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَأَرَادَ بِالظَّنِّ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ غَلَبَةَ الظَّنِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَاكًّا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ

وَفِي التَّبْيِينِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ ظَنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ قِيَامَ الْمُحَرِّمِ كَأَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فَأَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بِاللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ وَلَفْظُهُ وَإِنْ كَانَ غَالِبُ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجِبُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجِبُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْغُرُوبِ قَائِمٌ فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ ثَابِتَةً وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَظُنَّ أَوْ يَشُكَّ فَإِنْ ظَنَّ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَظُنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ قِيَامَ الْمُحَرِّمِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ يَتَبَيَّنَ صِحَّةُ مَا ظَنَّهُ أَوْ بُطْلَانَهُ وَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَوْ انْتِهَائِهِ فَهِيَ سِتَّةٌ وَإِنْ شَكَّ أَيْضًا فَهِيَ اثْنَا عَشَرَ فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ وَمِثْلُهَا فِي قِيَامِ الْمُحَرِّمِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ عُلِمَ أَحْكَامُهَا مِنْ الْمَتْنِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا فَلْيُتَأَمَّلْ

وَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّسَحُّرَ ثَابِتٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالثَّانِيَ فِي الْبَدَائِعِ مُقْتَصِرًا كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ الْجَمَاعَةِ إلَّا أَبَا دَاوُد «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» وَالسَّحُورُ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ فِي السَّحُورِ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ

ــ

[منحة الخالق]

ذَلِكَ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ لَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا الْأَكْثَرِ إلَّا إذَا تَوَاتَرَ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ لَيْلًا لَيْسَ بِقَيْدٍ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِاللَّيْلِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ أَوْ تَسَحَّرَ إذْ لَا خَفَاءَ أَنَّ التَّسَحُّرَ أَكْلُ السَّحُورِ وَجَعْلُ تَسَحُّر بِمَعْنَى أَكَلَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ اهـ.

لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ السَّحُورَ غَيْرُ قَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ لَا تَكَلُّفَ فِي جَعْلِ التَّسَحُّرِ بِمَعْنَى الْأَكْلِ مُطْلَقًا هُنَا وَتَسْمِيَتُهُ تَسَحُّرًا بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ وَالْإِلْزَامُ أَنْ لَا يَصِحَّ التَّعْبِيرُ بِهِ هُنَا لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ وَقَعَ نَهَارًا وَإِذَا ظَنَّهُ نَهَارًا فَيَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ تَسَحُّرًا أَيْضًا بِاعْتِبَارِ احْتِمَالِ بَقَاءِ اللَّيْلِ، تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ) الْمُنَاسِبُ دَلِيلَانِ ظَنِّيَّانِ أَوْ التَّصْرِيحُ بِخَبَرِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالِاسْتِصْحَابِ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ (قَوْلُهُ: وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ) أَقُولُ: مَا سَيَأْتِي عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إذَا كَانَ غَالِبُ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الشَّكِّ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: فِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ إلَخْ) لَا يُقَالُ يُمْكِنُ دَفْعُ الْمُخَالَفَةِ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بِاللَّيْلِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) أَوْصَلَهَا فِي النَّهْرِ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِجَعْلِهِ غَلَبَةَ الظَّنِّ قِسْمًا مَعَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ فَكَانَتْ الْأَقْسَامُ الْخَارِجَةُ مِنْ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةً كُلَّ وَاحِدٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ فَبَلَغَتْ مَا قَالَ وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِفَرْقِهِ بَيْنَهُمَا أَيْ الظَّنِّ وَغَلَبَتِهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ كَمَا يَظْهَرُ لِمَنْ تَأَمَّلَ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. نَعَمْ بَيْنَ مَفْهُومَيْهِمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ مُجَرَّدَ تَرْجِيحِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْحُكْمِ عِنْدَ الْعَقْلِ هُوَ أَصْلُ الظَّنِّ فَإِنْ زَادَ ذَلِكَ التَّرْجِيحُ حَتَّى قَرُبَ مِنْ الْيَقِينِ سُمِّيَ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَأَكْبَرَ الرَّأْيِ فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ وَيُرَادُ بِالظَّنِّ حِينَئِذٍ مَا يَشْمَلُ غَلَبَتَهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِمَا جَعْلُ الشَّكِّ تَارَةً فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ وَتَارَةً فِي قِيَامِ الْمُحَرِّمِ وَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ إنَّمَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالْمُبِيحِ تَارَةً وَبِالْمُحَرِّمِ أُخْرَى؛ لِأَنَّ لَهُ نِسْبَةً مَخْصُوصَةً إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا تَعَلَّقَ الظَّنُّ بِوُجُودِ اللَّيْلِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِوُجُودِ النَّهَارِ وَبِالْعَكْسِ وَأَمَّا الشَّكُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَرْجِيحِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فِيهِ فَإِذَا شَكَّ فِي قِيَامِ زَيْدٍ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ قِيَامَهُ وَعَدَمَهُ عَلَى السَّوَاءِ فَكَانَ مُتَعَلِّقًا بِكِلَا الطَّرَفَيْنِ فَيَكُونُ مَعْنَى شَكِّهِ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي وَقْتِ احْتِمَالِ وُجُودِ اللَّيْلِ وَوُجُودِ النَّهَارِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى السَّوَاءِ، فَكَانَ الْحَقُّ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يَظُنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ وُجُودَ الْمُحَرِّمِ أَوْ يَشُكَّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَوْ انْتِهَائِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ السِّتِّ إمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ وُجُودَ الْمُحَرِّمِ أَوْ لَا يَتَبَيَّنَ فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تِسْعَةٌ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَتِسْعَةٌ فِي انْتِهَائِهِ وَيَشْهَدُ لِمَا قُلْنَا صَنِيعُ الْعَلَّامَةِ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَذَكَرَ أَحْكَامَهَا اهـ.

وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>