للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقْدِيرُهُ فِي أَكْلِ السَّحُورِ بَرَكَةً بِنَاءً عَلَى ضَبْطِهِ بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَحَرٍ فَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا وَهُوَ الْأَعْرَفُ فِي الرِّوَايَةِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ الضَّمُّ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِنَفْسِ الْمَأْكُولِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ مَا إذَا يَتَيَقَّنُ بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَمَّا إذَا شَكَّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَتَسَحَّرَ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللَّيْلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا تَسَحَّرَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ أَثِمَ وَقَضَى. اهـ.

وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَقَاؤُهُ فَتَسَحَّرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَهَلْ يُكْرَهُ الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَامَاتُ الطُّلُوعِ مِنْ ضَرْبِ الدَّبَادِبِ وَالْأَذَانِ يُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ. اهـ.

وَالسُّنَّةُ فِي السَّحُورِ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِعَانَةِ فِيهِ أَبْلَغُ وَكَذَا تَعْجِيلُ الْفِطْرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّعْجِيلُ الْمُسْتَحَبُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ اشْتِبَاكِ النُّجُومِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا فِي كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ وَحْدَهُ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِسُنَّةِ السَّحُورِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُفِيدُهُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مُسْنَدًا «السَّحُورُ كُلُّهُ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» وَالْبَرَكَةُ فِي الْحَدِيثِ لُغَةً الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى وُجُوهٍ: زِيَادَةٌ فِي الْقُوَّةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّوْمِ وَزِيَادَةٌ فِي إبَاحَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَزِيَادَةٌ عَلَى الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَلَابَاذِيُّ وَبَيَّنَهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ إلَّا فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَلَا يُفْطِرُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَإِنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ. اهـ.

وَذَكَرَ قَبْلَهُ شَهِدَا أَنَّهَا غَرَبَتْ وَآخَرَانِ بِأَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ وَأَفْطَرَ ثُمَّ بَانَ عَدَمُ الْغُرُوبِ قَضَى وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ شَهِدَا عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَآخَرَانِ عَلَى عَدَمِ الطُّلُوعِ فَأَكَلَ ثُمَّ بَانَ الطُّلُوعُ قَضَى وَكَفَّرَ وِفَاقًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ حَتَّى قِيلَ شَهَادَةُ الْمُثْبِتِ لَا النَّافِي وَلَوْ وَاحِدٌ عَلَى طُلُوعِهِ وَآخَرَانِ عَلَى عَدَمِهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ دَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ فَقَالُوا: إنَّهُ طَالِعٌ فَصَدَّقَهُمْ فَقَالَ إذَنْ أَنَا مُفْطِرٌ لَا صَائِمٌ ثُمَّ دَامَ عَلَى الْأَكْلِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مَا كَانَ طَالِعًا فِي أَوَّلِ الْأَكْلِ وَطَالِعًا وَقْتَ الْأَكْلِ الثَّانِي قَالَ النَّسَفِيُّ الْحَاكِمُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ نِيَّةِ الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ عَدْلًا أَوْ لَا فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُقْبَلُ. اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ بِإِفْطَارِهِ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ أَوْ جِمَاعِهِ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ بِالنَّظِيرِ وَهُوَ الْأَكْلُ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ مُضَادٌّ لِلصَّوْمِ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَكَذَا فِيهِ شُبْهَةُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِفَسَادِ صَوْمِ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَأَطْلَقَهُ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَقْبَلُوهُ فَصَارَ شُبْهَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ يَكُونُ شُبْهَةً كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَكَذَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَظَنَّ أَنَّهُ يُفَطِّرُهُ فَأَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ بِالنَّظِيرِ فَإِنَّ الْقَيْءَ وَالِاسْتِقَاءَ مُتَشَابِهَانِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا مِنْ الْفَمِ وَكَذَا لَوْ احْتَلَمَ لِلتَّشَابُهِ فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفَطِّرُهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ وَلَا شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ وَقَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ احْتَجَمَ أَوْ اغْتَابَ فَظَنَّ أَنَّهُ يُفَطِّرُهُ ثُمَّ أَكَلَ إنْ لَمْ يَسْتَفْتِ فَقِيهًا وَلَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ جَهْلٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْعَالِمِ إذَا كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى فَتْوَاهُ فَكَانَ مَعْذُورًا فِيمَا صَنَعَ وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي مُخْطِئًا فِيمَا أَفْتَى وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ وَلَكِنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>