للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِامْتِزَاجِ، وَهُوَ بِالطَّبْخِ مَعَ طَاهِرٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ أَوْ بِتَشَرُّبِ النَّبَاتِ سَوَاءٌ خَرَجَ بِعِلَاجٍ أَوْ لَا.

الثَّانِي غَلَبَةُ الْمُخَالِطِ، فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَبِانْتِفَاءِ رِقَّةِ الْمَاءِ وَجَرَيَانِهِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَا فِي الْيَنَابِيعِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إذَا طُرِحَ الزَّاجُّ فِي الْمَاءِ حَتَّى اسْوَدَّ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا مُوَافِقًا لِلْمَاءِ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ كَالْمَاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ بِالتَّقْطِيرِ مِنْ لِسَانِ الثَّوْرِ وَمَاءِ الْوَرْدِ الَّذِي انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ وَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ طَهَارَتِهِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمُطْلَقِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْزَاءِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ أَكْثَرَ جَازَ الْوُضُوءُ بِالْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ اسْتَوَيَا لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

وَفِي الْبَدَائِعِ قَالُوا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ الْمَغْلُوبِ احْتِيَاطًا وَعَلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْعِبْرَةُ بِالْأَجْزَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ جَامِدًا فَغَلَبَةُ الْأَجْزَاءِ فِيهِ بِثُخُونَتِهِ فَإِنْ كَانَ مَائِعًا مُوَافِقًا لِلْمَاءِ، فَغَلَبَةُ الْأَجْزَاءِ فِيهِ بِالْقِدْرِ وَذَكَرَ الْحَدَّادِيُّ أَنَّ غَلَبَةَ الْأَجْزَاءِ فِي الْجَامِدِ تَكُونُ بِالثُّلُثِ، وَفِي الْمَائِعِ بِالنِّصْفِ

فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي الْأَوْصَافِ كُلِّهَا، فَإِنْ غَيَّرَهَا أَوْ أَكْثَرَهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ وَصْفَيْنِ فَالْعِبْرَةُ لِغَلَبَةِ مَا بِهِ الْخِلَافُ كَاللَّبَنِ يُخَالِفُهُ فِي الطَّعْمِ، فَإِنْ كَانَ لَوْنُ اللَّبَنِ أَوْ طَعْمُهُ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ وَكَذَا مَاءُ الْبِطِّيخِ يُخَالِفُهُ فِي الطَّعْمِ فَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِيهِ بِالطَّعْمِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ الْعِبْرَةُ لِلَّوْنِ

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ الْعِبْرَةُ لِلَّوْنِ ثُمَّ الطَّعْمِ ثُمَّ الْأَجْزَاءِ فَمُرَادُهُ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْمَائِعَ لِلْمَاءِ إنْ كَانَ لَوْنُهُ مُخَالِفًا لِلَوْنِ الْمَاءِ فَالْغَلَبَةُ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ، وَإِنْ كَانَ لَوْنُهُ لَوْنَ الْمَاءِ فَالْعِبْرَةُ لِلطَّعْمِ إنْ غَلَبَ طَعْمُهُ عَلَى الْمَاءِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرِّيحِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْزَاءِ.

وَأَمَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى شَيْءٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْبَعْضِ الْبَعْضُ الْأَقَلُّ، وَهُوَ الْوَاحِدُ كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي شَرْحِهِ فَغَيَّرَ بَعْضَ أَوْصَافِهِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ لَوْنٍ ذَكَرَهُ بِأَوْ الَّتِي هِيَ لِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ بَعْدَ مِنْ الَّتِي أَوْقَعَهَا بَيَانًا لِلْبَعْضِ وَلَا يَظْهَرُ لِتَغْيِيرِ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ فَائِدَةٌ وَهَاهُنَا تَنْبِيهَاتٌ مُهِمَّةٌ لَا بَأْسَ بِإِيرَادِهَا الْأَوَّلُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْجَامِدَ لَا يُقَيَّدُ الْمَاءُ إلَّا إذَا سَلَبَهُ وَصْفَ الرِّقَّةِ وَالسَّيْلَانِ جَوَازُ التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَلَوْ غَيَّرَ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ وَقَدْ صَرَّحُوا قُبَيْلَ بَابِ التَّيَمُّمِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ وَأَنَّ تِلْكَ رِوَايَةٌ مَرْجُوعٌ عَنْهَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ وَفِي مَسْأَلَةِ نَبِيذِ التَّمْرِ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ، فَلَا مُخَالَفَةَ كَمَا لَا يَخْفَى الثَّانِي أَنَّهُ يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّ الزَّعْفَرَانَ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ

ــ

[منحة الخالق]

مِنْ الْأَقْسَامِ مَا خَالَطَ جَامِدًا فَسَلَبَ رِقَّتَهُ وَجَرَيَانَهُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَاءٍ مُقَيَّدٍ وَالْكَلَامُ فِيهِ بَلْ لَيْسَ بِمَاءٍ أَصْلًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي الْمُخْتَلَطِ بِالْأُشْنَانِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ فَيَصِيرَ كَالسَّوِيقِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَا فِي الْيَنَابِيعِ) الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُخَالِفُ هَذَا ظَاهِرًا حَتَّى يُحْمَلَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا فِي الْيَنَابِيعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَجْزَاءِ أَيْ الْقَدْرِ وَالْوَزْنِ إنْ كَانَ لَا يُخَالِفُ فِي الْأَوْصَافِ وَعَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِانْتِفَاءِ الرِّقَّةِ إنْ كَانَ جَامِدًا فَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ جَامِدًا وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَائِعًا تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ وَتَفْصِيلٌ لِمَا عُلِمَ إجْمَالًا.

(قَوْلُهُ: كَاللَّبَنِ يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: الْمُشَاهَدُ فِي اللَّبَنِ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَاءِ فِي الرَّائِحَةِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْمُشَاهَدُ فِي الْبِطِّيخِ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَاءِ فِي الرَّائِحَةِ فَجُعِلَ الْأَوَّلُ مِمَّا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفَيْنِ فَقَطْ وَالثَّانِي فِي وَصْفٍ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ وَأَيْضًا فِي الْبِطِّيخِ مَا لَوْنُهُ أَحْمَرُ وَفِيهِ مَا لَوْنُهُ أَصْفَرُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْبَعْضِ الْبَعْضُ الْأَقَلُّ إلَخْ) أَقُولُ: قَوْلُ الْمَجْمَعِ وَنُجِيزُهُ بِغَالِبٍ عَلَى طَاهِرٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ أَوْ عَلَى الْجَامِدِ فَقَطْ وَلَا سَبِيلَ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَائِعِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ كَزَعْفَرَانٍ.

فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْأَعَمِّ لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْبَعْضِ عَلَى الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الْمُخَالِطِ الْجَامِدِ تُعْتَبَرُ بِانْتِفَاءِ الرِّقَّةِ لَا بِالْأَوْصَافِ فَضْلًا عَنْ وَصْفٍ وَاحِدٍ وَأَيْضًا بِالنَّظَرِ إلَى الْمُخَالِطِ الْمَائِعِ لَا تَثْبُتُ الْغَلَبَةُ فِيهِ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي كُلِّ الْأَوْصَافِ يُعْتَبَرُ ظُهُورُهَا كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْجَامِدِ فَقَطْ فَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَاهُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ انْتِفَاءُ الرِّقَّةِ وَالسَّيَلَانِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ الْأَوْصَافُ كُلُّهَا مَا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ كَمَا يَأْتِي التَّقْيِيدُ بِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّعْفَرَانِ وَبَيْنَ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَالْجَازِ الَّذِي فِي الْيَنَابِيعِ وَالظَّهِيرِيَّةِ فَكَمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ انْتِفَاءُ الرِّقَّةِ فَلْيُعْتَبَرْ فِي الزَّعْفَرَانِ نَعَمْ فِي عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ تَأَمُّلٌ مِنْ حَيْثُ إفْهَامُهَا أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ الْأَوْصَافُ كُلُّهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَيُقَيَّدُ بِانْتِفَاءِ الرِّقَّةِ أَوْ يُقَالُ إذَا تَغَيَّرَتْ الْأَوْصَافُ كُلُّهَا بِنَحْوِ الزَّعْفَرَانِ يَزُولُ اسْمُ الْمَاءِ عَنْهُ غَالِبًا فَقَدْ ظَهَرَ لَك إمْكَانُ حَمْلِهَا عَلَى مَا قَرَّرَهُ وَإِنْ حَمَلَهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ الْوَاحِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ شَرْحِهِ يُقَوِّي الْأَشْكَالَ فَيَجِبُ تَأْوِيلُ مَا فِي شَرْحِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَغْيِيرَ وَاحِدٍ فَقَطْ أَوْ عَلَى أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَنْتَظِمُ الْكَلَامُ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ الْإِلْهَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>