للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا دَامَ رَقِيقًا سَيَّالًا وَلَوْ غَيَّرَ الْأَوْصَافَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْجَامِدَاتِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُنْيَةِ أَنَّ الزَّعْفَرَانَ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ إنْ أَمْكَنَ الصَّبْغُ فِيهِ، فَلَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الثُّخُونَةِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ إلَّا إذَا غَلَبَهُ أَوْ سَاوَاهُ إمَّا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْكُلِّ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا اُسْتُعْمِلَ الْمَاءُ خَارِجًا ثُمَّ أَلْقَى الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ وَاخْتَلَطَ بِالطَّهُورِ أَوْ انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ الطَّهُورِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» لَا يُقَالُ إنَّهُ نَهْيٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَذَلِكَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُطَهِّرًا بِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمُطَهِّرِ بِهِ إذَا كَانَ غَيْرُ الْمُطَهِّرِ غَالِبًا كَمَاءِ الْوَرْدِ وَاللَّبَنِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا وَهَاهُنَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ مَا يُلَاقِي الْبَدَنَ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ فَكَيْفَ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا اهـ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيمَنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ بِأَنْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ هَذَا الْمَاءَ مُسْتَعْمَلًا لَا يُنْزَحُ شَيْءٌ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ مُسْتَعْمَلًا وَجَعَلَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَعْمَلِ أَكْثَرُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ طَهُورًا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَعْمَلُ غَالِبًا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ صَبَّ اللَّبَنَ فِي الْبِئْرِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بَالَتْ شَاةٌ فِيهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ.

وَقَالَ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَوْ اخْتَلَطَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِنْ قَلَّ، وَهَذَا فَاسِدٌ أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ فَلِأَنَّهُ طَاهِرٌ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَلَا يُغَيِّرُهُ عَنْ صِفَةِ الطَّهُورِ كَاللَّبَنِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَلِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ثُمَّ الْكَثِيرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَا يَغْلِبُ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَسْتَبِينَ مَوَاضِعَ الْقَطْرَةِ فِي الْإِنَاءِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ جُنُبٌ اغْتَسَلَ فَانْتَضَحَ مِنْ غُسْلِهِ شَيْءٌ فِي إنَائِهِ لَمْ يَفْسُدْ عَلَيْهِ الْمَاءُ أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيلُ فِيهِ سَيَلَانًا أَفْسَدَهُ وَكَذَا حَوْضُ الْحَمَّامِ عَلَى هَذَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُهُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ يَعْنِي لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الطَّهُورِيَّةِ اهـ.

بِلَفْظِهِ فَإِذَا عَرَفْت هَذَا لَمْ تَتَأَخَّرْ عَنْ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ الْفَسَاقِي الْمَوْضُوعَةِ فِي الْمَدَارِسِ عِنْدَ عَدَمِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِغَلَبَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَوْ وُقُوعِ نَجَاسَةٍ فِي الصِّغَارِ مِنْهَا

فَإِنْ قُلْت قَدْ صَرَّحَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَوْ صُبَّ مَاءُ الْوُضُوءِ فِي الْبِئْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ إنْ كَانَ اسْتَنْجَى بِذَلِكَ الْمَاءِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَنْجَى بِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ نَجِسًا لَكِنْ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا لِيَصِيرَ الْمَاءُ طَاهِرًا اهـ.

فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِوُقُوعِ قَلِيلٍ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْجُنُبَ إذَا نَزَلَ فِي الْبِئْرِ بِقَصْدِ الِاغْتِسَالِ يَفْسُدُ الْمَاءُ عِنْدَ الْكُلِّ صَرَّحَ بِهِ الْأَكْمَلُ وَصَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرُهُمَا وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ يُنْزَحُ عِشْرُونَ دَلْوًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَوْلَا أَنَّ الْكُلَّ صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِمَا نُزِحَ مِنْهَا، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فِي الْإِنَاءِ لِلتَّبَرُّدِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَاءَ يَفْسُدُ إذَا أَدْخَلَ الْكَفَّ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ يَقْتَضِي اسْتِعْمَالَ الْكُلِّ.

وَقَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ والْوَلْوَالِجِيِّ فِي فَتَاوِيهِ جُنُبٌ اغْتَسَلَ فِي بِئْرٍ ثُمَّ فِي بِئْرٍ إلَى الْعَشَرَةِ عَلَى قَصْدِ الِاغْتِسَالِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُنَجَّسُ الْآبَارُ كُلُّهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَخْرُجُ مِنْ الثَّالِثَةِ طَاهِرًا ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ عَيْنُ نَجَاسَةٍ تَنَجَّسَتْ الْمِيَاهُ كُلُّهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْنَ نَجَاسَةٍ صَارَتْ الْمِيَاهُ كُلُّهَا مُسْتَعْمَلًا إلَى آخِرِ الْفُرُوعِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا هَكَذَا كُنْت تَوَهَّمْت وَكَتَبْت بَعْضَ مَقُولَاتٍ عَلَى عِبَارَةِ الشَّارِحِ بِنَاءً عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُفْسِدُ الطَّهُورَ مَا لَمْ يَغْلِبْهُ أَوْ يُسَاوِهِ لَا عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت قَدْ صَرَّحَ قَاضِي خان إلَخْ) جَوَابُ الشَّرْطِ سَيَأْتِي بَعْدَ صَفْحَةٍ وَمَنْشَأُ السُّؤَالِ مَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُفْسِدُ الطَّهُورَ مَا لَمْ يَغْلِبْهُ أَوْ يُسَاوِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ عَيْنُ نَجَاسَةٍ تَنَجَّسَتْ الْمِيَاهُ كُلُّهَا إلَخْ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمِيَاهِ مِيَاهَ الْآبَارِ الْعَشَرَةِ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُهُ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ وَكَذَا تَنَجُّسُ الْآبَارِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُشْكِلٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ نَزَلَ فِي الْبِئْرِ، وَهُوَ جُنُبٌ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا وَالرَّجُلُ نَجِسٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ جحط وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِسْبِيجَابِيَّ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْفُرُوعَ بَعْدَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ بِحَالِهِ وَالْمَاءَ بِحَالِهِ اهـ.

وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِيَاهِ الْمُتَنَجِّسَةِ أَوْ الْمُسْتَعْمَلَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِيَاهُ الْآبَارِ الثَّلَاثَةِ فَقَطْ بِدَلِيلِ تَكْمِلَةِ عِبَارَةِ الْإِسْبِيجَابِيِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ هُنَا ثُمَّ بَعْدَ الثَّالِثَةِ إنْ وُجِدَتْ مِنْهُ النِّيَّةُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا

وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ النِّيَّةُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُ. اهـ. فَتَأَمَّلْ.

ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ مَسْطُورَةً فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِأَوْضَحِ مِمَّا ذَكَرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>