الشَّهْرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَإِنْ نَوَى شَهْرًا كَامِلًا فَهُوَ كَمَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ. اهـ.
وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْغَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ وَحَمْلُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا إذَا نَوَى تَوْفِيقًا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كَوْنِهِ يَلْغُو فِيمَا مَضَى كَمَا يَلْغُو فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَغْوًا لَمَّا لَزِمَهُ بِنِيَّتِهِ وَلَا يَصِحُّ تَشْبِيهُهُ بِصَوْمِ الْأَمْسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ صَوْمَ الْيَوْمِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ غَدٍ وَنَوَى كُلَّمَا دَارَ غَدٌ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ، وَلَوْ قَالَ صَوْمَ يَوْمٍ وَنَوَى كُلَّمَا دَارَ يَوْمٌ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَكَذَا يَوْمُ الْخَمِيسِ. اهـ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا، وَلَوْ نَذَرَ بِصَوْمِ شَهْرٍ قَدْ مَضَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمُضِيِّهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ مُسْتَحِيلُ الْكَوْنِ وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْإِقَالَةِ بِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ السَّنَةِ مُعَيَّنَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُنَكِّرَةً فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فَكَالْمُعَيَّنَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَيَّامُ الْخَمْسَةُ وَلَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ قَدْرُ السَّنَةِ فَإِذَا صَامَ سَنَةً لَزِمَهُ قَضَاءُ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ نَاقِصٌ فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَامِلِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْهُ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِقَدْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِلَ ذَلِكَ بِمَا مَضَى وَإِنْ لَمْ يَصِلْ ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعُهْدَةِ وَهَذَا غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَخْرُجُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَصَدَ مَا تَلَفَّظَ بِهِ أَوَّلًا وَلِهَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ صَوْمُ شَهْرٍ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ وَكَذَا إذَا أَرَادَ شَيْئًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الطَّلَاقُ، أَوْ الْعَتَاقُ أَوْ النَّذْرُ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ» وَالنَّذْرُ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ. اهـ.
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، أَوْ الْخَمِيسِ فَصَامَ ذَلِكَ مَرَّةً كَفَاهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ، وَلَوْ أَوْجَبَ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ شَهْرًا صَامَ شَهْرًا مَا تَكَرَّرَ مِنْهُ فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا يَعْنِي إنْ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَمِيسِ يَصُومُ كُلَّ خَمِيسٍ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ صَوْمُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَنَةً، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَوْمًا يَوْمًا لَا يَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كَذَا كَذَا يَوْمًا يَلْزَمُهُ صَوْمُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَهَذَا مُشْكَلٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ اثْنَا عَشَرَ؛ لِأَنَّ كَذَا اسْمُ عَدَدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ عَدَدَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّهُ اثْنَا عَشَرَ، وَلَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا يَلْزَمُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ
وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُ عَشْرٌ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَسَيَأْتِي أَجْنَاسُ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ جُمُعَةً إنْ أَرَادَ بِهَا أَيَّامَ الْجُمُعَةِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَلْزَمُهُ صَوْمُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَلْزَمُهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا وَأَرَادَ بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ صُدِّقَ قَضَاءً، وَلَوْ قَالَ جُمَعُ هَذَا الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ تَمُرُّ فِي هَذَا الشَّهْرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ قَالَ صَوْمُ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ صَوْمُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ السَّبْتَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَبْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ السَّبْتَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَبْعَةِ أَسْبَاتٍ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ لَا يَتَكَرَّرُ فَحُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى عَدَدِ الْأَسْبَاتِ بِخِلَافِ الثَّمَانِيَةِ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ فِيهَا يَتَكَرَّرُ
وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمًا مُتَتَابِعًا فَصَامَهُ مُتَفَرِّقًا لَمْ يَجُزْ وَعَلَى عَكْسِهِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَقَدِمَ فِيهِ فُلَانٌ بَعْدَمَا أَكَلَ، أَوْ كَانَتْ النَّاذِرَةُ امْرَأَةً فَحَاضَتْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ قَدِمَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا وَهْمٌ إذْ الَّذِي يَلْزَمُ بِنِيَّتِهِ سَنَةٌ أَوَّلُهَا ابْتِدَاءُ النَّذْرِ عَلَى مَا مَرَّ لَا مَا مَضَى مِنْهَا وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِاللَّغْوِ إلْزَامُ مَا مَضَى وَحِينَئِذٍ فَتَشْبِيهُهُ بِصَوْمِ الْأَمْسِ صَحِيحٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَنَةً) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَلَوْ قَالَ بِدُونِ كَذَلِكَ وَبَعْدَ قَوْلِهِ سَنَةً بَيَاضٌ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَهَذِهِ النُّسْخَةِ وَبَعْدَ قَوْلِهِ سَنَةً مَا نَصُّهُ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَصُومُ ثَلَاثِينَ مِثْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ اهـ.
وَرَأَيْت فِي هَامِشِ الْبَحْرِ نُسْخَةً بِخَطِّ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ رَاجَعَ نُسْخَتَيْنِ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ فَوَجَدَ فِيهِمَا مَا ذَكَرْنَا وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ بِلَفْظِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَنَةً كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ كُلَّ اثْنَيْنِ يَمُرُّ بِهِ إلَى سَنَةٍ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَوْمًا) أَيْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا وَقَوْلُهُ وَيَوْمًا لَا أَيْ لَا أَصُومُهُ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ أَيْ فَيَلْزَمُهُ صِيَامُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute