مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَحَمْلُ الْحِمَارِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مَنًّا قَالُوا وَلَا يُشَارِكُ فِي الزَّادِ وَاجْتِمَاعِ الرُّفْقَةِ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى طَعَامِ أَحَدِهِمْ أَحَدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا عُلِمَتْ الْمُسَامَحَةُ بَيْنَهُمَا فَلَهُ الْمُشَارَكَةُ وَإِلَّا شَارَكَ فَالِاسْتِحْلَالُ مِنْ الشُّرَكَاءِ مَخْلَصٌ وَتَجْرِيدُ السَّفَرِ عَنْ التِّجَارَةِ أَحْسَنُ، وَلَوْ اتَّجَرَ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ كَالْغَازِي إذَا اتَّجَرَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي السِّيَرِ وَأَمَّا عَنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْفَخْرِ ظَاهِرًا، أَوْ بَاطِنًا فَفَرْضٌ وَخَلْطُ التِّجَارَةِ بِهَذَا الْقِسْمِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَأَمَّا الرُّكُوبُ فِي الْمَحْمِلِ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ خَوْفًا مِمَّا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَكْرَهْهُ بَعْضُهُمْ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ ذَلِكَ فَفِي التَّحْقِيقِ لَا اخْتِلَافَ وَرُكُوبُ الْجَمَلِ أَفْضَلُ وَيُكْرَهُ الْحَجُّ عَلَى الْحِمَارِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ بِدَلِيلِ أَفْضَلِيَّةِ مَا قَابَلَهُ وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ لِمَنْ يُطِيقُهُ وَلَا يُسِيءُ خُلُقُهُ وَأَمَّا حَجُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِبًا فَلِأَنَّهُ كَانَ الْقُدْوَةَ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ مَاسَّةً إلَى ظُهُورِهِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ وَلَا يُمَاكِسُ فِي شِرَاءِ الْأَدَوَاتِ وَالزَّادِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ خُرُوجَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، أَوْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَفْعَلُ مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي آدَابِ السَّفَرِ.
(قَوْلُهُ: فُرِضَ مَرَّةً عَلَى الْفَوْرِ) أَيْ فُرِضَ الْحَجُّ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَالْفَوْرُ فِي اللُّغَةِ مِنْ فَوْرِ الْقِدْرِ غَلَيَانِهَا وَفِعْلُ ذَلِكَ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ فَوْرِ الْقِدْرِ قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} [آل عمران: ١٢٥] وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فَرْضِيَّتَهُ قَصْدًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الِاعْتِقَادِيَّةِ فَلَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ مَسَائِلَهُ ظَنِّيَّةٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَدَلِيلُهُ الْقُرْآنِيُّ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] وَالسُّنَّةُ كَثِيرَةٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَتَعَدَّدُ فَلِأَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْبَيْتُ كَذَلِكَ وَأَمَّا تَكَرُّرُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَالِ فَلِأَنَّ سَبَبَهُ هُوَ النَّامِي تَقْدِيرًا وَتَقْدِيرُ النَّمَاءِ دَائِرٌ مَعَ حَوْلَانِ الْحَوْلِ إذَا كَانَ الْمَالُ مُعَدًّا لِلِاسْتِنْمَاءِ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ وَتَقْدِيرُ النَّمَاءِ الثَّابِتِ فِي هَذَا الْحَوْلِ غَيْرُ تَقْدِيرِ النَّمَاءِ فِي حَوْلٍ آخَرَ فَالْمَالُ مَعَ هَذَا النَّمَاءِ غَيْرُ الْمَجْمُوعِ مِنْهُ وَمِنْ النَّمَاءِ الْآخَرِ فَيَتَعَدَّدُ حُكْمًا كَتَعَدُّدِ الْوُجُوبِ بِتَعَدُّدِ النِّصَابِ وَلِرِوَايَةِ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا «الْحَجُّ مَرَّةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ»
وَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي وَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا هُوَ طَلَبُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا عَلَى التَّرَاخِي فَأَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَقَوَّاهُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَجَّ سَنَةَ عَشْرٍ وَفَرْضِيَّةُ الْحَجِّ كَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ فَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ هُوَ إلَى الْقَابِلَةِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فَقَالَا الِاحْتِيَاطُ فِي تَعْيِينِ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ فِي السَّنَةِ وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ فَتَأْخِيرُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ فِي وَقْتِهِ تَعْرِيضٌ لَهُ عَلَى الْفَوَاتِ فَلَا يَجُوزُ وَبِهَذَا حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْ تَأْخِيرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ تَعْرِيضُ الْفَوَاتِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعِيشُ حَتَّى يَحُجَّ وَيُعَلِّمَ النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ تَكْمِيلًا لِلتَّبْلِيغِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الِاحْتِيَاطِ ظَنِّيٌّ وَمُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ فَإِذَا أَخَّرَهُ وَأَدَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ أَدَاءً وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَخَّرَهُ فَعَلَى الصَّحِيحِ يَأْثَمُ وَيَصِيرُ فَاسِقًا مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ فَاسِقًا مِنْ أَوَّلِ سَنَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَالَى عَلَيْهِ سُنُونَ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَغِيرَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَلَا يَصِيرُ فَاسِقًا بِارْتِكَابِهَا مَرَّةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَإِذَا حَجَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ اتِّفَاقًا قَالَ الشَّارِحُ
وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَقِيلَ يَأْثَمُ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا يَأْثَمُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا وَشَارَكَ فَالِاسْتِحْلَالُ مِنْ الشُّرَكَاءِ مَخْلَصٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَإِلَّا فَلَا يُشَارِكُ وَفِي بَعْضِهَا وَإِلَّا لَا وَلَوْ شَارَكَ فَالِاسْتِحْلَالُ مَخْلَصٌ وَهِيَ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ: خَوْفًا مِمَّا ذَكَرْنَا) مِنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْفَخْرِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبَيْتُ كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَتَعَدَّدُ (قَوْلُهُ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ اتِّفَاقًا) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْإِثْمِ إثْمُ تَفْوِيتِ الْحَجِّ لَا إثْمُ تَأْخِيرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ إثْمَ تَفْوِيتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِتَأْخِيرِهِ عَرَضَهُ عَلَى الْفَوَاتِ اهـ.
وَفِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ نَظَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَحْثُ الْمُؤَلِّفِ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَنَقْلُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَمَا ذَاكَ إلَّا فِي التَّأْخِيرِ إذْ لَا شَكَّ فِي إثْمِ تَارِكِ فَرْضٍ قَطْعِيٍّ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فَرْضًا وَلَا وَاجِبًا فَالْمُرَادُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إثْمُ التَّأْخِيرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَالَ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَلَوْ حَجَّ بَعْدَهُ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ اهـ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَيَأْثَمُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ إلَّا إذَا أَدَّى وَلَوْ فِي آخَرِ عُمُرِهِ فَإِنَّهُ رَافِعٌ لِلْإِثْمِ بِلَا خِلَافٍ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ عَدَمِ ارْتِفَاعِ الْإِثْمِ عِنْدَ الثَّانِي (قَوْلُهُ: فَقِيلَ يَأْثَمُ مُطْلَقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ أَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْقَوْلَ بِالْإِثْمِ مُطْلَقًا إذْ بِتَقْدِيرِهِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا سَهْوٌ نَعَمْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَأْثَمُ إذَا حَجَّ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَلَمْ يَحُجَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَثِمَ وَنَقَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute