للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ خَافَ الْفَوَاتَ بِأَنْ ظَهَرَتْ لَهُ مَخَائِلُ الْمَوْتِ فِي قَلْبِهِ فَأَخَّرَهُ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ وَإِنْ فَجْأَهُ الْمَوْتُ لَا يَأْثَمُ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَتَضْعِيفُ الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَفُوتُ الْقَوْلُ بِفَرْضِيَّةِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْإِثْمُ عِنْدَ عَدَمِ الْفِعْلِ سَوَاءٌ كَانَ مُضَيَّقًا، أَوْ مُوَسَّعًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ فَائِدَتُهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُوبُ الْإِيصَاءِ عَلَيْهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ فَإِذَا لَمْ يُوصِ يَأْثَمُ لِتَرْكِ هَذَا الْوَاجِبِ لَا لِتَرْكِ الْحَجِّ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فُرِضَ مَرَّةً أَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ تَطَوُّعٌ وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْحَجَّ لَا يُوصَفُ بِالنَّفْلِيَّةِ بَلْ الْمَرَّةُ الْأُولَى فَرْضُ عَيْنٍ وَمَا زَادَ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ أَنْ يَحُجَّ الْبَيْتَ كُلَّ عَامٍ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا بَلْ صَرَّحُوا بِالنَّفْلِيَّةِ فَقَالُوا حَجُّ النَّفْلِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَصِيرُ فَرْضًا أَيْضًا وَمِنْ فُرُوعِهِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ مِائَةُ حِجَّةٍ لَزِمَتْهُ كُلُّهَا، وَلَوْ قَالَ أَنَا أَحُجُّ لَا حَجَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ

وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ إنْ عَافَانِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَرَضِي هَذَا فَعَلَيَّ حِجَّةٌ فَبَرِئَ لَزِمَتْهُ حِجَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ حِجَّةٌ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الْحِجَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ، وَلَوْ بَرَأَ وَحَجَّ جَازَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ نَوَى غَيْرَ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى حِجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ نِيَّتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةَ لَكِنْ عَلَّلَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَرِيضَ الَّذِي فَرَّطَ فِي الْفَرْضِ حَتَّى مَرِضَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَجَّ يَتَّصِفُ بِالْحُرْمَةِ إذَا كَانَ الْمَالُ حَرَامًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَكُونُ وَاجِبًا وَهُوَ مَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ إمَّا الْحَجُّ، أَوْ الْعُمْرَةُ فَإِذَا اخْتَارَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَتَّصِفُ بِالْوُجُوبِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَتَّصِفُ بِالْكَرَاهَةِ وَهُوَ حَجُّهُ بِغَيْرِ إذْنِ أَبَوَيْهِ بِشَرْطِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ فَرْضًا وَوَاجِبًا وَنَفْلًا وَحَرَامًا وَمَكْرُوهًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَّصِفُ بِالْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَضْعًا.

(قَوْلُهُ: بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ وَبُلُوغٍ وَعَقْلٍ وَصِحَّةٍ وَقُدْرَةٍ زَادَ وَرَاحِلَةٍ فَضَلَتْ عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَنَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ وَعِيَالِهِ) فَلَا حَجَّ عَلَى عَبْدٍ وَلَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْحَجِّ، وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ لِعَدَمِ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْمَالِ غَالِبًا بِخِلَافِهِمَا وَلِفَوَاتِ حَقِّ الْمَوْلَى فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَالْمَوْلَى وَإِنْ أَذِنَهُ فَقَدْ أَعَارَهُ مَنَافِعَهُ وَالْحَجُّ لَا يَجِبُ بِقُدْرَةٍ عَارِيَّةٍ وَلَا عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَفِي الْمَعْتُوهِ

ــ

[منحة الخالق]

الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَصِحَّةُ الْأَوَّلِ غَنِيَّةٌ عَنْ الْوَجْهِ وَعَلَى اعْتِبَارِهِ قِيلَ يَظْهَرُ الْإِثْمُ مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى وَقِيلَ مِنْ الْأَخِيرَةِ مِنْ سَنَةِ رَأَى فِي نَفْسِهِ الضَّعْفَ وَقِيلَ يَأْثَمُ فِي الْجُمْلَةِ غَيْرَ مَحْكُومٍ بِمُعَيَّنٍ بَلْ عِلْمُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ.

وَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِيهِ فَإِنَّ مَا ادَّعَى عَدَمَ رُؤْيَتِهِ نَقَلَهُ بِيَدِهِ وَتَلَفَّظَهُ بِفِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الْفَتْحِ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَلَمْ يَحُجَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَثِمَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ يَأْثَمُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ فَجَأَهُ الْمَوْتُ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ إذْ بِتَقْدِيرِهِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ كَمَا مَرَّ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَظْهَرُ بِالْمَوْتِ إثْمُهُ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِيمَا إذَا مَاتَ فَالْفَرْقُ وَاضِحٌ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: فَقَالُوا حَجُّ النَّفْلِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي الشَّامِ فِي مَنَاسِكِهِ وَإِذَا حَجَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ فَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَجُّ أَفْضَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَمَّا حَجّ وَرَأَى مَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشَقَّاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ.

قُلْت قَدْ يُقَالُ إنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فِي زَمَانِنَا أَفْضَلُ لِمَا يَلْزَمُ الْحَاجَّ غَالِبًا مِنْ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ وَمُشَاهَدَتِهِ لِفَوَاحِشِ الْمُنْكَرَاتِ وَشُحِّ عَامَّةِ النَّاسِ بِالصَّدَقَاتِ وَتَرْكِهِمْ الْفُقَرَاءَ وَالْأَيْتَامَ فِي حَسَرَاتٍ وَلَا سِيَّمَا فِي أَيَّامِ الْغَلَاءِ وَضِيقِ الْأَوْقَاتِ وَبِتَعَدِّي النَّفْعِ تَتَضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ ثُمَّ رَأَيْت فِي مُتَفَرِّقَاتِ اللُّبَابِ الْجَزْمَ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَقَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي أَيْ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي وَغَيْرِهِمَا وَلَعَلَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى إعْطَاءِ الْفَقِيرِ الْمَوْصُوفِ بِغَايَةِ الْفَاقَةِ أَوْ فِي حَالِ الْمَجَاعَةِ وَإِلَّا فَالْحَجُّ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّفَقَةِ بَلْ وَزَادَ إنَّ الدِّرْهَمَ الَّذِي يُنْفَقُ فِي الْحَجِّ بِسَبْعِمِائَةٍ إلَخْ قُلْت قَدْ يُقَالُ مَا وَرَدَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَجِّ الْفَرْضِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الصَّدَقَةِ لِلْمُحْتَاجِ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ سَبْعِمِائَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى إلَخْ) قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ نَعَمْ قَدْ يُفْرَضُ لِعَارِضٍ كَنَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ بَعْدَ فَسَادٍ أَوْ إحْصَارٍ أَوْ الشُّرُوعِ فِيهِ بِمُبَاشَرَةِ إحْرَامٍ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: فَلَا حَجَّ عَلَى عَبْدٍ إلَخْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَيَقَعُ نَفْلًا (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى صَبِيٍّ إلَخْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَلَوْ حَجَّ وَهُوَ مُمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرُ مُمَيِّزٍ بِإِحْرَامِ وَلِيِّهِ فَهُوَ نَفْلٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْعَاقِلِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَفِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْحَجِّ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَقَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ قَالَ مَشَايِخُنَا وَغَيْرُهُمْ بِصِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَكَذَا بِصِحَّةِ حَجِّ الْمَجْنُونِ اهـ.

وَيَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>