للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَتَاوَى قَاضِي خان وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَكْشِفُ لَك عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ وَالْإِمْكَانِ وَجُهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ فَأَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صَيْرُورَةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ مُسْتَعْمَلًا بِاخْتِلَاطِ الْمُسْتَعْمَلِ الْأَقَلِّ مِنْهُ بِهِ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ كَالزَّيْلَعِيِّ وَالْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ وَالسِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ كَمَا نَقَلْنَاهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الدَّبُوسِيِّ فِي الْأَسْرَارِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ نَزْحِ عِشْرِينَ دَلْوًا وَمَا ذَكَرَهُ الْأَكْمَلُ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِنْ كَوْنِهِ يَفْسُدُ عِنْدَ الْكُلِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ والْوَلْوَالِجِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فَكُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَسَيَظْهَرُ لَك صِدْقُ هَذِهِ الدَّعْوَى الصَّادِقَةِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ

وَإِذَا وَقَعَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْبِئْرِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَيُنْزَحُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَفْسُدُ

ــ

[منحة الخالق]

تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِرَفْعِ الِاشْتِبَاهِ فَإِنَّهُ خَالَفَ فِيهَا صَرِيحَ الْمَنْقُولِ عَنْ أَئِمَّتِنَا وَاسْتَنَدَ إلَى كَلَامٍ وَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ يُوهِمُ عَدَمَ صَيْرُورَةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ مُسْتَعْمَلًا بِالِانْغِمَاسِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مِنْهُ مَا لَاقَى بَدَنَ الْمُحْدِثِ، وَهُوَ قَلِيلٌ لَاقَى طَهُورًا أَكْثَرَ مِنْهُ فَلَا يَسْلُبُهُ وَصْفَ الطَّهُورِيَّةِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ مِمَّنْ لَا رُسُوخَ لَهُ فِي فِقْهِهِمْ وَكَتَبَ فِيهِ كِتَابَةً مُشْتَمِلَةً عَلَى خَلْطٍ وَخَبْطٍ وَمُخَالَفَةِ النُّصُوصِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمه اللَّهُ وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي مُقَدَّمَةٍ كَتَبْتهَا حَقَّقْت فِيهَا الْمَذْهَبَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ الدَّبُوسِيَّ فِي كِتَابِ الْأَسْرَارِ أَوْرَدَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ مِنْ أَبِي يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

وَذَكَرَ جَوَابَ مُحَمَّدٍ عَنْهُ فَكَشَفَ اللَّبْسَ وَأَوْضَحَ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَذَاهِبِ عُلَمَائِنَا فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِمُحَمَّدٍ وَعَامَّةِ مَشَايِخِنَا يَنْصُرُونَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَتَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ يُحْتَجُّ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ بِمَا رُوِيَ فَذَكَرَ حَدِيثَ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ» ثُمَّ قَالَ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ طَهُورٌ لَا يُجْعَلُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ حَرَامًا إلَى آخِرِ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَا عَنْ الدَّبُوسِيِّ.

وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الطَّاهِرَ إذَا انْغَمَسَ فِي الْبِئْرِ لِلِاغْتِسَالِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَصَرَّحَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان بِأَنَّ إدْخَالَ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ لِلْغَسْلِ يُفْسِدُ الْمَاءَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَتَكَفَّلَ بِإِيضَاحِ هَذَا وَتَحْرِيرِهِ رِسَالَتِي الْمُسَمَّاةُ بِزَهْرِ الرَّوْضِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوْضِ وَمَا كَتَبْته بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ رُؤْيَةِ مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَانْظُرْهُ اهـ.

وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ حَسَنٌ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِالْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِي جَسَدُهُ دُونَ بَاقِي الْمَاءِ فَيَصِرْ ذَلِكَ الْجُزْءُ مُسْتَهْلَكًا فِي كَثِيرٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ لِسَرَيَانِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْجَمِيعِ حُكْمًا، وَلَيْسَ كَالْغَالِبِ بِصَبِّ الْقَلِيلِ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ اهـ.

يَعْنِي: أَنَّهُ لَمَّا انْغَمَسَ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ مَثَلًا صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِجَمِيعِ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي انْغَمَسَ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ حَقِيقَةً هُوَ مَا لَاقَى جَسَدَهُ وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا صُبَّ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُسْتَعْمَلَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا هُوَ ذَلِكَ الْمُلْقَى فَلَا وَجْهَ لِلْحُكْمِ عَلَى الْمُلْقَى فِيهِ بِالِاسْتِعْمَالِ مَا لَمْ يُسَاوِهِ أَوْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يُدْخِلْ فِيهِ جَسَدَهُ حَتَّى يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ حُكْمًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْأَسْرَارِ لِلدَّبُّوسِيِّ وَقَوْلُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ جحط لَوْ انْغَمَسَ بِقَصْدِ الِاغْتِسَالِ لِلصَّلَاةِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا

وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْأَسْرَارِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ مُسْتَدِلًّا بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَالسِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا لَاقَاهُ الْمُسْتَعْمَلُ أَوْ أُلْقِيَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْهِنْدِيِّ فِي الْمُلْقَى وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْمُلَاقَى فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ عَدَمِ الْفَرْقِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ مِنْ النُّقُولِ مَا يُثْبِتُهُ.

(قَوْلُهُ: فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ) أَقُولُ: إنْ كَانَ الْخِلَافُ الَّذِي جَرَى بَيْنَ أَهْلِ الْعَصْرِ فِي جَوَازِ التَّوَضُّؤِ مِنْ الْفَسَاقِي وَعَدَمِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِانْغِمَاسٍ بِجَسَدٍ أَوْ يَدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا كَلَامَ فِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ النُّقُولِ يَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاهُ مِنْ الْجَوَازِ فَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فِي الِانْغِمَاسِ وَغَيْرِهَا فِي غَيْرِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ بِالِانْغِمَاسِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا وَأَيَّدْنَاهَا بِمَا ذَكَرَهُ عَنْ الدَّبُوسِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَإِذَا عَرَفَتْ هَذَا إلَخْ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُلْقَى وَالْمُلَاقَى فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ النُّقُولِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْمُلَاقَى سِوَى مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ.

وَأَمَّا غَيْرُ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ فَهُوَ فِي الْمُلْقَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ؛ وَلِذَا قَالَ أَخُو الشَّارِحِ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي هَوَامِشِ هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْآتِي قَالَ فِي الْمُحِيطِ: إلَخْ مَا نَصُّهُ لَا يَخْفَاك أَنَّ الْعِبَارَةَ فِي وُقُوعِ الْمَاءِ لَا الْمُغْتَسَلِ، وَكَذَا فِيمَا بَعْدَهُ اهـ.

وَكَذَا مَا نَقْلنَا عَنْهُ سَابِقًا وَكَأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْخَصْمَ لَا يُسَلِّمُ عَدَمَ الْفَرْقِ فَتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِّ الْأَقْدَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ الْإِلْهَامِ هَكَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُحَشِّي قَوْلُهُ وَنَبَّهَ عَلَيْهَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةٍ إلَخْ إلَى قَوْلِهِ الْآتِي إذْ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ عَلَى حَسَبِ مَا وُجِدَ بِخَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَاشِيَةِ نُسْخَتِهِ حَيْثُ كَانَ هُوَ الْأَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ الْمُجَرَّدُ لِخَطِّهِ فِي الْمُبَيَّضَةِ فَلِذَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ اهـ مُصَحَّحَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>