للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَخِيطٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ.

وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ شَدُّ الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ وَالتَّخَتُّمُ بِالْخَاتَمِ، وَمِمَّا لَا يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا الِاكْتِحَالُ بِغَيْرِ الْمُطَيِّبِ وَأَنْ يَخْتَتِنَ وَيَفْتَصِدَ وَيَقْلَعَ ضِرْسَهُ وَيَجْبُرَ الْكَسْرَ وَيَحْتَجِمَ، وَأَنْ يَحُكَّ رَأْسَهُ وَبَدَنَهُ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ خَافَ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ حَكَّهُ بِرِفْقٍ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالْحَكِّ الشَّدِيدِ.

(قَوْلُهُ وَأَكْثِرْ مِنْ التَّلْبِيَةِ مَتَى صَلَّيْتَ أَوْ عَلَوْتَ شَرَفًا أَوْ هَبَطْتَ وَادِيًا أَوْ لَقِيتَ رَكْبًا وَبِالْأَسْحَارِ رَافِعًا صَوْتَكَ) أَيْ أَكْثِرْ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَتَكْبِيرِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الِانْتِقَالِ أَطْلَقَ الصَّلَاةَ فَشَمِلَ فَرْضَهَا وَوَاجِبَهَا وَنَفْلَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَخَصَّهَا الطَّحَاوِيُّ بِالْمَكْتُوبَاتِ قِيَاسًا عَلَى تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَوْتَ شَرَفًا أَيْ صَعِدْت مَكَانًا مُرْتَفِعًا وَقِيلَ بِضَمِّ الشِّينِ جَمْعُ شُرْفَةٍ، وَالرَّكْبُ جَمْعُ رَاكِبٍ كَتَجْرٍ جَمْعِ تَاجِرٍ، وَالسَّحَرُ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْهَا عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ سُنَّةٌ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْإِسَاءَةُ بِتَرْكِهَا.

قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَظَهَرَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ فَرْضٌ وَسُنَّةٌ وَمَنْدُوبٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَهَا كُلَّمَا أَخَذَ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَأْتِي بِهَا عَلَى الْوَلَاءِ وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ، وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي خِلَالِهَا جَازَ لَكِنْ يُكْرَهُ لِغَيْرِ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ التَّلْبِيَةِ، وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ قَالَ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ تَلْبِيَتِهِ سِرًّا، وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَيَتَعَوَّذُ مِنْ النَّارِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ.

(قَوْلُهُ وَابْدَأْ بِالْمَسْجِدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ) الْبَاءُ الْأُولَى بَاءُ التَّعْدِيَةِ وَهُوَ إيصَالُ مَعْنَى مُتَعَلِّقِهَا بِمَدْخُولِهَا، وَالثَّانِيَةُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ أَوْلَى وَهِيَ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّ مِنْ الِاغْتِسَالَاتِ الْمَسْنُونَةِ الِاغْتِسَالَ لِدُخُولِهَا، وَهُوَ لِلنَّظَافَةِ فَيُسْتَحَبُّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَمْ يُقَيَّدْ دُخُولُ مَكَّةَ بِزَمَنٍ خَاصٍّ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَهَا نَهَارًا فِي حِجَّتِهِ وَلَيْلًا فِي عُمْرَتِهِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الدُّخُولِ لَيْلًا فَلَيْسَ تَقْرِيرًا لِلسُّنَّةِ بَلْ شَفَقَةً عَلَى الْحَاجِّ مِنْ السُّرَّاقِ، وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ فَالدُّخُولُ نَهَارًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ بَابِ الْمُعَلَّا لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا فِي دُخُولِهِ بَابَ الْبَيْتِ تَعْظِيمًا، وَإِذَا خَرَجَ فَمِنْ السُّفْلَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيمَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَمِمَّا لَا يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا إلَخْ) تَكْمِيلٌ لِمُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ ذَكَرَ مِنْهَا فِي اللُّبَابِ نَزْعَ الضِّرْسِ وَالظُّفْرِ الْمَكْسُورِ وَالْفَصْدَ وَالْحِجَامَةَ بِإِزَالَةِ شَعْرٍ وَقَلْعَ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي الْعَيْنِ وَالتَّوْشِيحَ بِالْقَمِيصِ وَالِارْتِدَادَ بِهِ وَالِاتِّزَارَ بِهِ وَبِالسَّرَاوِيلِ وَالتَّحَرُّمَ بِالْعِمَامَةِ أَيْ الِاتِّزَارُ بِهَا مِنْ غَيْرِ عَقْدِهَا وَغَرْزُ طَرَفِ رِدَائِهِ فِي إزَارِهِ، وَإِلْقَاءُ الْقَبَاءِ وَالْعَبَاءِ وَالْفَرْوَةِ عَلَيْهِ بِلَا إدْخَالِ مَنْكِبَيْهِ وَوَضْعُ خَدِّهِ عَلَى وِسَادَةٍ وَوَضْعُ يَدِهِ أَوْ يَدِ غَيْرِهِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ أَنْفِهِ وَتَغْطِيَةُ اللِّحْيَةِ مَا دُونَ الذَّقَنِ وَأُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ وَيَدَيْهِ أَيْ بِمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ سِوَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَحَمْلُ إجَّانَةٍ أَوْ عَدْلٍ أَوْ جُوَالِقَ عَلَى رَأْسِهِ بِخِلَافِ حَمْلِ الثِّيَابِ، وَأَكْلُ مَا اصْطَادَهُ حَلَالٌ، وَأَكْلُ طَعَامٍ فِيهِ طِيبٌ إنْ مَسَّتْهُ النَّارُ أَوْ تَغَيَّرَ، وَالسَّمْنُ وَالزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ وَكُلُّ دُهْنٍ لَا طِيبَ فِيهِ وَالشَّحْمُ وَدَهْنُ جُرْحٍ أَوْ شِقَاقٍ وَقَطْعُ شَجَرِ الْحِلِّ وَحَشِيشِهِ رَطْبًا وَيَابِسًا وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ أَيْ الْمُبَاحُ وَالتَّزَوُّجُ وَالتَّزْوِيجُ وَلَوْ قَبْلَ سَعْيِ الْحَجِّ وَذَبْحُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ وَقَتْلُ الْهَوَامِّ وَالْجُلُوسُ فِي دُكَّانِ عَطَّارٍ لَا لِاشْتِمَامِ رَائِحَةٍ اهـ.

أَيْ لَا لِقَصْدِ أَنْ يَشُمَّ رَائِحَةً، وَزَادَ فِي الْكَبِيرِ وَضَرْبُ خَادِمِهِ أَيْ إذَا اسْتَحَقَّ «لِضَرْبِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَبْدَهُ الَّذِي أَضَلَّ النَّاقَةَ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا زَامِلَتُهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَمْنَعْهُ» ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا اشْتَهَرَ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجِمَالِ عَلَى إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَإِنْ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى فَاعِلِهِ فَيُفِيدُ كَمَالَ تَحَمُّلِهِ فِي سَبِيلِهِ اهـ.

مِنْ شَرْحِ اللُّبَابِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي، وَذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الْمُؤَلَّفِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ عَلَى الْأَلْسُنِ أَنَّ الثَّانِيَ أَظْهَرُ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الْجَرَّاحِيُّ عَنْ الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ لِلسِّنْجَارِيِّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْأَعْمَشِ، وَأَنَّ ابْنَ حَزْمٍ حَمَلَهُ عَلَى الْفَسَقَةِ مِنْ الْجَمَّالِينَ يَعْنِي إنْ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا أَعْلَمَ الْأَمِيرَ أَوْ نَحْوَهُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ مِنْ نَوَادِرِ الْأَعْمَشِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَلَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجِمَالِ خِلَافًا لِلْأَعْمَشِ ثُمَّ حَكَى حَمْلَ ابْنِ حَزْمٍ السَّابِقَ اهـ. مَا فِي الْمَقَاصِدِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيمَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى سُنَّةٌ إلَخْ) أَيْ فَيُقَدِّمُهَا عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك اهـ.

وَفِي مَنَاسِكِ تِلْمِيذِهِ السِّنْدِيِّ وَشَرْحِهِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ وَقَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ أَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَيَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَقَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ قَائِلًا مَا سَبَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>