للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُنَّةُ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُلَبِّيًا فِي دُخُولِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ فَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَ مِنْهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِبَابِ السَّلَامِ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَبِّيًا مُلَاحِظًا جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ مَعَ التَّلَطُّفِ بِالْمُزَاحِمِ.

(قَوْلُهُ وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ تِلْقَاءَ الْبَيْتِ) أَيْ مُوَاجِهًا لَهُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَبَّرَ ثَلَاثًا وَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ، فَالْمُرَادُ مِنْ التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ أَيْ مِنْ هَذِهِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْأَوْلَى أَيْ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَمِنْ التَّهْلِيلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الدُّعَاءَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ وَهَكَذَا فِي الْمُتُونِ وَهِيَ غَفْلَةٌ عَمَّا لَا يُغْفَلُ عَنْهُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَهَا مُسْتَجَابٌ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمُشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ، وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْقِرَاءَةِ لِلْمُصَلِّي يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِدُعَاءٍ مَحْفُوظٍ لَا بِمَا يَحْضُرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ فَأَمَّا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ بِمَا يَحْضُرُهُ، وَلَا يَسْتَظْهِرَ الدُّعَاءَ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الدُّعَاءِ يَمْنَعُهُ عَنْ الرِّقَّةِ اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْصَى رَجُلًا يُرِيدُ السَّفَرَ إلَى مَكَّةَ بِأَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ بِاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ فَإِنْ اُسْتُجِيبَتْ هَذِهِ الدَّعْوَةُ صَارَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُنَا مِنْ أَهَمِّ الْأَذْكَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُسْتَلِمًا بِلَا إيذَاءٍ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ وَلِنَهْيِ عُمَرَ عَنْ الْمُزَاحَمَةِ وَلِأَنَّ الِاسْتِلَامَ سُنَّةٌ وَالْكَفَّ عَنْ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ فَالْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ مُتَعَيِّنٌ، وَالِاسْتِلَامُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيُقَبِّلَهُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ وَضَعَ يَدَيْهِ وَقَبَّلَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَمَسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا كَالْعُرْجُونِ وَنَحْوِهِ، وَقَبَّلَهُ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لِلزَّحْمَةِ اسْتَقْبَلَهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، وَجَعَلَ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ مُشِيرًا بِهِمَا إلَيْهِ وَظَاهِرَهُمَا نَحْوَ وَجْهِهِ هَكَذَا الْمَأْثُورُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْحَجَرِ فَعَلَ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْفَارُوقِ بَعْدَهُ وَقَوْلُ الْقِوَامِ الْكَاكِيِّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ عِنْدَنَا ضَعِيفٌ، وَهَذَا التَّقْبِيلُ الْمَسْنُونُ إنَّمَا يَكُونُ بِوَضْعِ الشَّفَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ تَحِيَّةَ الْبَيْتِ الطَّوَافُ فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَيَطُوفُ طَوَافَ التَّحِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَطَوَافُ الْقُدُومِ وَهُوَ أَيْضًا تَحِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ، وَإِنْ دَخَلَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَطَوَافُ الْفَرْضِ يُغْنِي كَصَلَاةِ الْفَرْضِ تُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعُمْرَةِ فَطَوَافُ

ــ

[منحة الخالق]

إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ هُنَا أَبْوَابَ فَضْلِك بَدَلَ أَبْوَابِ رَحْمَتِك لِحَدِيثٍ وَرَدَ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الدُّعَاءَ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحُهُ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ أَيْ وَلَوْ حَالَ دُعَائِهِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ كَالْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْبَدَائِعِ بَلْ قَالَ السُّرُوجِيُّ الْمَذْهَبُ تَرْكُهُ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ اللُّبَابِ وَكَلَامُ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ الرَّفْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَنُقِلَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ وَقِيلَ يَرْفَعُ أَيْ يَدَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَسَمَّاهُ الْبَصْرَوِيُّ مُسْتَحَبًّا فَكَأَنَّهُمَا اعْتَمَدَا عَلَى مُطْلَقِ آدَابِ الدُّعَاءِ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ مُتَّبَعَةٌ فِي الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ أَمَا تَرَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا فِي الطَّوَافِ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الطَّوَافِ عِنْدَ دُعَاءِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ الْحَنَفِيَّةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا حَاجَةَ لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا جَوَّزَهُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْعَلَّامَةَ البرنطوشي كَانَ يَزْجُرُ مَنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ حَالَ الطَّوَافِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالِاسْتِلَامُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَيْهِ وَيُقَبِّلَهُ بِفِيهِ بِلَا صَوْتٍ وَفِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَ مَسْحَ الْوَجْهِ بِالْيَدِ مَكَانَ التَّقْبِيلِ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَمَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ، زَادَ فِي التُّحْفَةِ وَيُرْسِلُهُمَا ثُمَّ يَسْتَلِمُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا الصَّحِيحُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْحَجَرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَلْ يُنْدَبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ وَعَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ، وَقَالَ رَأَيْت عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ فَفَعَلْتُهُ» رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ مَالِكٌ السُّجُودُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ وَعِنْدَنَا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِضَعْفِ مَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ صَاحِبُ الدَّارِ أَدْرَى اهـ.

أَيْ أَنَّ الْكَاكِيَّ صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ أَدْرَى بِالْحُكْمِ عِنْدَنَا مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ وَلِذَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ وَأَقَرَّهُ أَقُولُ: حَيْثُ صَحَّ الْحَدِيثُ يُتَّبَعُ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ فِي الْمَشَاهِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَهِيَ تَثْبُتُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فَبِالصَّحِيحِ أَوْلَى، وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً حَتَّى يَتَوَقَّفَ فِيهَا عَلَى نَصٍّ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>