للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُمْرَةِ، وَلَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَاسْتَثْنَى عُلَمَاؤُنَا مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا دَخَلَ فِي وَقْتٍ مُنِعَ النَّاسُ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ أَوْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ لِلْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ أَوْ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ عَلَى الطَّوَافِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، ثُمَّ يَطُوفُ وَفِي قَوْلِهِ الْحَجَرُ دُونَ أَنْ يَصِفَهُ بِالسَّوَادِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ كَانَ أَبْيَضَ مِنْ اللَّبَنِ، وَإِنَّمَا اسْوَدَّ بِمَسِّ الْمُشْرِكِينَ وَالْعُصَاةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ وَطُفْ مُضْطَبِعًا وَرَاءَ الْحَطِيمِ آخِذًا عَنْ يَمِينِك مِمَّا يَلِي الْبَابَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ ثَوْبَهُ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَيُلْقِيَهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ يُقَالُ اضْطَبَعَ بِثَوْبِهِ وَتَأَبَّطَ بِهِ وَقَوْلُهُمْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ سَهْوٌ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ بِرِدَائِهِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَهُوَ سُنَّةٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّبُعِ وَهُوَ الْعَضُدُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَكْشُوفًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ بِقَلِيلٍ، وَأَمَّا إدْخَالُ الْحَطِيمِ فِي طَوَافِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْحَطِيمَ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ الْبَيْتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الطَّوَافِ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ إعَادَتِهِ عَلَى الْحَطِيمِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَلَوْ لَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ وَحْدَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ التَّوَجُّهِ ثَبَتَتْ بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا تَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ احْتِيَاطًا، وَلَهُ ثَلَاثُ أَسَامٍ حَطِيمٌ وَحَظِيرَةٌ وَحِجْرٌ وَهُوَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ مُتَّصِلٍ بِالْبَيْتِ مِنْ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فُرْجَةٌ وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ كُسِرَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْقَتِيلِ بِمَعْنَى الْمَقْتُولِ؛ أَوْ لِأَنَّ مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فِيهِ حَطَّمَهُ اللَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَذَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ، وَلَيْسَ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ مِقْدَارُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْبَيْتِ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ فِيهِ قَبْرَ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَأَمَّا أَخْذُهُ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ فَهُوَ وَاجِبٌ أَيْضًا حَتَّى لَوْ طَافَ مَنْكُوسًا صَحَّ، وَأَثِمَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَيَجِبُ إعَادَتُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ إعَادَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ يَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ أَنَّ الطَّائِفَ بِالْبَيْتِ مُؤْتَمٌّ بِهِ، وَالْوَاحِدُ مَعَ الْإِمَامِ يَكُونُ الْإِمَامُ عَلَى يَسَارِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، وَقِيلَ لِيَكُونَ الْبَابُ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: ١٨٩] .

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ أَنَّ الِافْتِتَاحَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَتْرُكْهُ قَطُّ، وَقِيلَ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ افْتَتَحَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ فِي الْآيَةِ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَالْتَحَقَ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانًا لَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا وَفِي بَابِ الْجِنَايَاتِ ذَكَرَ أَنَّ

ــ

[منحة الخالق]

الْمُجْتَهِدِ مَا لَمْ يَثْبُتُ عَنْهُ خِلَافُهَا فَيُتَّبَعُ مَا ثَبَتَ عَنْهُ وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَشَى فِي اللُّبَابِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَقَالَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ وَيُكَرِّرَهُ مَعَ التَّقْبِيلِ ثَلَاثًا اهـ قَالَ شَارِحُهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ رَشِيدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَكَذَا نَقَلَ السُّجُودَ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ لَكِنْ نَقَلَ الْكَاكِيُّ إلَخْ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَطُفْ مُضْطَبِعًا) قَالَ الْعَلَّامَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السِّنْدِيُّ تِلْمِيذُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي مَنَاسِكِهِ الْمُخْتَصَرَةِ وَالْمُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِهَا: وَيُضْطَبَعُ أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَشْوَاطِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَسْعَى بَعْدَهُ أَيْ يُقَدِّمُ السَّعْيَ عَقِبَهُ وَإِلَّا لَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ، وَأَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَ السَّعْيَ إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ الْفَرْضِ فَلَا يَرْمُلُ وَلَا يَضْطَبِعُ حِينَئِذٍ هُنَا بَلْ يُؤَخِّرُهُمَا إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَرْمُلُ فِيهِ، وَكَذَا يَضْطَبِعُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَابِسًا اهـ.

وَقَالَ الْمُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَهُوَ شَرْحُ الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ لِعُذْرٍ هَلْ يُسَنُّ فِي حَقِّهِ التَّشَبُّهُ بِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَصْحَابُنَا، وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ إنَّمَا يُسَنَّ لِمَنْ لَمْ يَلْبَسْ الْمَخِيطَ، وَأَمَّا مَنْ لَبِسَهُ مِنْ الرِّجَالِ فَيَتَعَذَّرُ فِي حَقِّهِ الْإِتْيَانُ بِالسُّنَّةِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ يُشْرَعُ لَهُ جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفِهِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَإِنْ كَانَ الْمَنْكِبُ مَسْتُورًا بِالْمَخِيطِ لِلْعُذْرِ. قَالَ فِي عُمْدَةِ الْمَنَاسِكِ: وَهَذَا لَا يَبْعُدُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْمُضْطَبِعِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الِاضْطِبَاعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُخَاطَبٍ فِيمَا يَظْهَرُ قُلْت: الْأَظْهَرُ فِعْلُهُ فَإِنَّ مَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَقَعَ طَوَافُهُ هَذَا لِلْقُدُومِ وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْعُمْرَةِ أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ نَوَاهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَعَلَى الْقَارِنِ أَيْ اسْتِحْبَابًا أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ لِلْقُدُومِ كَذَا فِي اللُّبَابِ، وَهَذَا الطَّوَافُ لِلْقُدُومِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الْآنَ فِي الْمُفْرِدِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا اضْطِبَاعَ وَلَا رَمَلَ وَلَا سَعْيَ لِأَجْلِ هَذَا الطَّوَافِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ فِيهِ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ تَقْدِيمَ سَعْيِ الْحَجِّ عَلَى وَقْتِهِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ عَقِيبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ. اهـ. لُبَابٌ.

(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ) أَيْ لَمْ يَطُفْ وَرَاءَ الْحَطِيمِ أَيْ جِدَارَ الْحِجْرِ بَلْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ أَيْ وَخَرَجَ مِنْ الْفُرْجَةِ الْأُخْرَى فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعِيدَهُ مِنْ الْحِجْرِ، وَالْأَفْضَلُ إعَادَةُ كُلِّهِ، وَصُورَةُ الْإِعَادَةِ عَلَى الْحِجْرِ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ يَمِينِهِ خَارِجَ الْحِجْرِ أَيْ مُبْتَدِئًا مِنْ أَوَّلِ أَجْزَاءِ الْفُرْجَةِ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ لِلِاحْتِيَاطِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْحِجْرَ مِنْ الْفُرْجَةِ وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْ طَرَفِهِ أَوْ لَا يَدْخُلَ الْحِجْرَ بَلْ يَرْجِعَ وَيَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>