ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ حَتَّى لَوْ افْتَتَحَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ فَقَدْ جَعَلَ الْبِدَايَةَ مِنْهُ فَرْضًا اهـ.
وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ لِلْمُوَاظَبَةِ وَالِافْتِرَاضُ بَعِيدٌ عَنْ الْأُصُولِ لِلُزُومِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْقَطْعِيِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ الَّتِي بِمَعْنَى الْوَاجِبِ، وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً، وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبًا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الطَّوَافِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الرُّكْنُ الْيَمَانِي قَرِيبًا مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُتَعَيِّنًا لِيَكُونَ مَارًّا بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ شَاهَدْنَاهُمْ يَبْتَدِئُونَ الطَّوَافَ وَبَعْضُ الْحَجَرِ خَارِجٌ عَنْ طَوَافِهِمْ فَاحْذَرْهُ، وَقَوْلُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ لَا لِلْفَرْضِ فِي الطَّوَافِ فَإِنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِالدَّمِ فَالرُّكْنُ أَكْثَرُ الْأَشْوَاطِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ وَثُلُثَا شَوْطٍ، وَخَالَفَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ أَهْلَ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِأَنَّ السَّبْعَةَ رُكْنٌ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهَا، وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ مَا يُقَامُ فِيهِ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ فِي الْجِنَايَاتِ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ أَعْنِي السَّبْعَةَ مَانِعٌ لِلنُّقْصَانِ اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِي مَنْعِهِ لِلزِّيَادَةِ حَتَّى لَوْ طَافَ ثَامِنًا، وَعَلِمَ أَنَّهُ ثَامِنٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُ إتْمَامُ الْأُسْبُوعِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَابِعٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ ثَامِنٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا كَالْعِبَادَةِ الْمَظْنُونَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الطَّوَافَ خَالَفَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ، وَالْأَشْوَاطُ جَمْعُ شَوْطٍ وَهُوَ جَرْيٌ مَرَّةً إلَى الْغَايَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الطَّوَافِ دَاخِلُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى لَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ وَرَاءَ زَمْزَمَ أَوْ مِنْ وَرَاءِ السَّوَارِي جَازَ وَمِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الطَّوَافُ مُلَاصِقًا لِحَائِطِ الْبَيْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَدٍّ فَاصِلٍ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ حَائِطَ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ بُقْعَةٍ
ــ
[منحة الخالق]
الْحَجَرِ وَهُوَ الْأَوْلَى لِئَلَّا يَجْعَلَ الْحَطِيمَ الَّذِي هُوَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَهِيَ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ طَرِيقًا إلَى مَقْصِدِهِ إلَّا إذَا نَوَى دُخُولَ الْبَيْتِ كُلَّ مَرَّةٍ وَطَلَبَ الْبَرَكَةَ فِي كُلِّ كَرَّةٍ ثُمَّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ الْإِعَادَةِ لَا يُعَدُّ عَوْدُهُ شَوْطًا؛ لِأَنَّهُ مَنْكُوسٌ وَهُوَ خِلَافُ الشَّرْطِ أَوْ الْوَاجِبِ فَلَا يَكُونُ مَحْسُوبًا، وَلِهَذَا قَالَ هَكَذَا يَفْعَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقْضِي حَقَّهُ فِيهِ مِنْ رَمَلٍ وَغَيْرِهِ أَيْ مِنْ تَيَامُنٍ وَنَحْوِهِ، وَإِذَا أَعَادَهُ سَقَطَ الْجَزَاءُ وَلَوْ طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ قِيلَ وَيَجُوزُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا زَادَ عَلَى حَدِّهِ وَهُوَ قَدْرُ سِتَّةِ أَوْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ اهـ. مِنْ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ.
(قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ) وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ نَقْلًا عَنْ الْوَجِيزِ حَيْثُ قَالَ فِي عَدُّ الْوَاجِبَاتِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَالْأَعْدَلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعَوَّلُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لِلُزُومِ الزِّيَادَةِ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا الْتَحَقَ بَيَانًا لِلنَّصِّ الْمُجْمَلِ فَالثَّابِتُ بِهِ يَكُونُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ الْمُجْمَلِ لَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ مَنْعُ الْإِجْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ فَرْضِيَّةُ الِابْتِدَاءِ مِنْ مَكَان مَخْصُوصٍ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ مِنْ أَيِّ مَكَان وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَفَادَ الْوُجُوبَ أَوْ السُّنِّيَّةَ فَافْهَمْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي الْجَوَابِ ثُمَّ رَاجَعْت فَتْحَ الْقَدِيرِ فَرَأَيْتُهُ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَبْعُدُ؛ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ دَلِيلِهِ فَيَأْثَمُ بِهِ، وَيُجْزِئُ وَلَوْ كَانَ فِي آيَةِ الطَّوَافِ إجْمَالٌ لَكَانَ شَرْطًا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَكِنَّهُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونَ مُطْلَقُ التَّطَوُّفِ هُوَ الْفَرْضُ وَافْتِتَاحُهُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ اهـ. بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبًا إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا اسْتَوْجَهَهُ الْمُؤَلِّفُ هَذَا وَمَا فِي اللُّبَابِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ يَقِفُ أَيْ بَعْدَ الِاضْطِبَاعِ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ بِجَانِبِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ فَيَنْوِي الطَّوَافَ وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ اهـ.
فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِافْتِتَاحَ مِنْ الْحَجَرِ سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ اللُّبَابِ، وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ لَكِنَّ مَا ادَّعَاهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ لُزُومِ الْمُرُورِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى الْحَجَرِ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِنَّهُ لَوْ وَقَفَ مُسَامِتًا لِلْحَجَرِ حَصَلَ الِابْتِدَاءُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَامَ مُسَامِتًا بِجَسَدِهِ الْحَجَرَ يَدْخُلُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ جَانِبِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ وَرُكْنَهُ لَا يَبْلُغُ عَرْضَ جَسَدِ الْمُسَامِتِ لَهُ كَمَا فِي الشرنبلالية وَمَا ادَّعَى لُزُومَهُ صَرَّحَ فِي اللُّبَابِ بِاسْتِحْبَابِهِ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالطَّوَافِ مِنْ جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي لِيَكُونَ مَارًّا عَلَى جَمِيعِ الْحِجْرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْمُرُورَ كَذَلِكَ عَلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَالرُّكْنُ أَكْثَرُ الْأَشْوَاطِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ أَمَّا الْقُدُومُ وَالصَّدْرُ فَلَا لَكِنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ سُنَّةٌ وَبِشُرُوعِهِ فِيهِ يَجِبُ إكْمَالُهُ فَيُسَاوِي بَعْدَ الشُّرُوعِ طَوَافَ الصَّدْرِ فَيَصِيرُ الطَّوَافَانِ وَاجِبَيْنِ فَيَكُونُ جَمِيعُ أَشْوَاطِهِمَا وَاجِبَةً، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَيَذْكُرُهُ