للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدَةٍ فَإِذَا طَافَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَقَدْ طَافَ بِالْمَسْجِدِ لَا بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّ حِيطَانَ الْمَسْجِدِ تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ

وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَنَّ الطَّهَارَةَ فِيهِ مِنْ الْحَدَثَيْنِ وَاجِبٌ، وَكَذَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَلَوْ طَافَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ قَدْرَ مَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ لَزِمَهُ دَمٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ مِنْ الْخُبْثِ فَمِنْ السُّنَّةِ لَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي ثَوْبٍ كُلُّهُ نَجِسٌ فَهَذَا وَمَا لَوْ طَافَ عُرْيَانًا سَوَاءٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّوْبِ قَدْرُ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ طَاهِرًا وَالْبَاقِي نَجِسًا جَازَ طَوَافُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ الطَّوَافَ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا أُبِيحَ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا تُبْطِلُهُ الْمُحَاذَاةُ، وَقَالُوا لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْتِيَ فِي الطَّوَافِ وَيَشْرَبَ وَيَفْعَلَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، لَكِنْ يُكْرَهُ إنْشَادُ الشِّعْرِ فِيهِ وَالْحَدِيثُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَالْبَيْعُ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ فَمُبَاحَةٌ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الطَّوَافِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ ذِكْرِ اللَّهِ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ إلَّا بِسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَكُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ بِهَا عَشْرُ دَرَجَاتٍ»

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ خَرَجَ مِنْ طَوَافِهِ إلَى جِنَازَةٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ أَوْ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ عَادَ بَنَى.

(قَوْلُهُ تَرَمَّلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ) بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ أَيْ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ دُونَ غَيْرِهَا فَأَفَادَ أَنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَرْوِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ رَدًّا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ يَنْتَهِي إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ زَوَالُ الْحُكْمِ عِنْدَ زَوَالِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَلْزُومٌ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ، وَوُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِم مُحَالٌ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ عِلَّةَ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ زَالَتْ وَبَقِيَ الْحُكْمُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» تَذْكِيرًا لِنِعْمَةِ الْأَمْنِ بَعْدَ الْخَوْفِ لِيَشْكُرَ عَلَيْهَا فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِذِكْرِ نِعَمِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ وَمَا أُمِرْنَا بِذِكْرِهَا إلَّا لِنَشْكُرَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَلٍ مُتَبَادَلَةٍ فَحِينَ غَلَبَةِ الْمُشْرِكِينَ كَانَتْ عِلَّةُ الرَّمَلِ إيهَامَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّةَ الْمُؤْمِنِينَ

وَعِنْدَ زَوَالِ ذَلِكَ تَكُونُ عِلَّتُهُ تَذْكِيرَ نِعْمَةِ الْأَمْنِ كَمَا أَنَّ عِلَّةَ الرِّقِّ فِي الْأَصْلِ اسْتِنْكَافُ الْكَافِرِ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، ثُمَّ صَارَ عِلَّتُهُ حُكْمَ الشَّرْعِ بِرِقِّهِ وَإِنْ أَسْلَمَ وَكَالْخَرَاجِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي الِابْتِدَاءِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ، وَلِهَذَا لَا يُبْتَدَأُ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ ثُمَّ صَارَ عِلَّتُهُ حُكْمَ الشَّرْعِ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَرْضَ خَرَاجٍ لَزِمَهُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ مِنْ بَحْثِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ

وَقَدْ رَدَّ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ كَوْنَ الْحُكْمِ مَلْزُومًا لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَمَارَاتٌ عَلَى الْحُكْمِ لَا مُؤَثِّرَاتٌ فَيَجُوزُ بَقَاءُ الْحُكْمِ بَعْدَ زَوَالِ عِلَّتِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ اُخْرُجْ إلَى الصَّفَا إلَى أَنَّهُ لَا يُرْمَلُ إلَّا فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَلَوْ أَرَادَ تَأْخِيرَ السَّعْيِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ مَعْزِيًّا إلَى الْغَايَةِ إذَا كَانَ قَارِنًا

ــ

[منحة الخالق]

الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا فِي أَشْوَاطِ السَّعْيِ حَيْثُ جَعَلَهَا وَاجِبَةً كُلَّهَا لَكِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الصَّدْرِ لَزِمَهُ دَمٌ وَفِي الْأَقَلِّ لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ، وَأَمَّا الْقُدُومُ فَلَمْ يُصَرِّحُوا بِمَا يَلْزَمُهُ لَوْ تَرَكَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَبَحَثَ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فِي أَنَّهُ كَالصَّدْرِ وَنَازَعَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّ الصَّدْرَ وَاجِبٌ بِأَصْلِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ بِشُرُوعِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ سِوَى التَّوْبَةِ كَصَلَاةِ النَّفْلِ اهـ مُلَخَّصًا، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَقَدْ عَلِمْت إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ الثَّانِي قِيلَ الطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ قَدْرُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ مِنْ الثَّوْبِ وَاجِبٌ أَيْ طَهَارَتُهُ فَلَوْ طَافَ وَعَلَيْهِ قَدْرُ مَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ طَاهِرٌ وَالْبَاقِي نَجِسٌ جَازَ وَإِلَّا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرْيَانِ. الثَّالِثُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَلَوْ طَافَ مَكْشُوفَهَا وَجَبَ الدَّمُ وَالْمَانِعُ كَشْفُ رُبْعِ الْعُضْوِ فَمَا زَادَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ انْكَشَفَ أَقَلُّ مِنْ الرُّبْعِ لَا يُمْنَعُ وَيَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ الرَّابِعَ الْمَشْيُ فِيهِ لِلْقَادِرِ فَلَوْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا أَوْ زَاحِفًا بِلَا عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَوْ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ زَحْفًا لَزِمَهُ مَاشِيًا. الْخَامِسُ التَّيَامُنُ السَّادِسُ قِيلَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ السَّابِعُ الطَّوَافُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ اهـ.

قَالَ شَارِحُهُ: وَأَمَّا طَهَارَةُ مَكَانِ الطَّوَافِ فَذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعِ طَوَافِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَبْطُلُ طَوَافُهُ، وَهَذَا يُفِيدُ نَفْيَ الشَّرْطِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَاحْتِمَالِ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ أَوْ السُّنِّيَّةِ، وَالْأَرْجَحُ عَدَمُ الْوُجُوبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. اهـ.

قُلْت: وَيُزَادُ ثَامِنٌ وَهُوَ كَوْنُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ (قَوْلُهُ وَالْمَعْرُوفُ فِي الطَّوَافِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ التَّجْنِيسِ، وَقَالَ وَلَمْ نَعْلَمْ خَبَرًا رُوِيَ فِيهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الطَّوَافِ أَقُولُ: وَرَأَيْت فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>