للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ كَانَ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَقَطْ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ لَا يَرْمُلُ إلَّا فِي الشَّوْطَيْنِ بَعْدَهُ وَبِنِسْيَانِهِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَا يَرْمُلُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ تَرْكَ الرَّمَلِ فِي الْأَرْبَعَةِ سُنَّةٌ فَلَوْ رَمَلَ فِيهَا لَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّتَيْنِ، وَكَانَ تَرْكُ أَحَدِهِمَا أَسْهَلَ فَإِنْ زَاحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ بِخِلَافِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلٌ لَهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ رَمَلَ فِي الْكُلِّ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ تَنْزِيهًا لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَالرَّمَلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنْ يَهُزَّ فِي مِشْيَتِهِ الْكَتِفَيْنِ كَالْمُبَارِزِ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَقِيلَ هُوَ إسْرَاعٌ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا دُونَ الْوُثُوبِ وَالْعَدْوِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ كَمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ الْهَرْوَلَةُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ بِقُرْبِ الْبَيْتِ أَفْضَلُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَهُوَ فِي الْبُعْدِ مِنْ الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ بِلَا رَمَلٍ مَعَ الْقُرْبِ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ وَاسْتَلِمْ الْحَجَرَ كُلَّمَا مَرَرْت بِهِ إنْ اسْتَطَعْت) أَيْ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - طَافَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى فِي الرُّكْنِ أَشَارَ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ» وَفِي الْمُغْرِبِ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ تَنَاوَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ مَسَحَهُ بِالْكَفِّ مِنْ السَّلِمَةِ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَهِيَ الْحَجَرُ أَفَادَ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ بَيْنَ كُلِّ شَوْطَيْنِ سُنَّةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ والْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ الِاسْتِلَامَ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ سُنَّةٌ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَدَبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اسْتِلَامَ غَيْرِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْعِرَاقِيَّ وَالشَّامِيَّ

وَأَمَّا الْيَمَانِي فَيُسْتَحَبّ أَنْ يَسْتَلِمهُ وَلَا يُقَبِّلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ سُنَّةٌ وَتَقْبِيلُهُ مِثْلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، الدَّلَائِلُ تَشْهَدُ لَهُ فَإِنَّ «ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْيَمَانِيَيْنِ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ قَبَّلَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.

وَعَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُمَا» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِي يَعُمُّ التَّقْبِيلَ فَقَدْ دَلَّ عَلَى سُنِّيَّةِ اسْتِلَامِهِ

وَأَظْهَرُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ فِي كُلِّ طَوَافِهِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِلَامُ غَيْرِ الرُّكْنَيْنِ وَهُوَ تَسَاهُلٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ وَالْحِكْمَةُ فِي عَدَمِ اسْتِلَامِهِمَا أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْتِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْحَطِيمِ مِنْ الْبَيْتِ فَيَكُونُ الرُّكْنَانِ إذَنْ وَسَطَ الْبَيْتِ

ــ

[منحة الخالق]

أَنْ يَقْرَأَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ خَتْمَةً فِي الطَّوَافِ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ آيَةَ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: ٢٠١] الْآيَةَ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ مُشِيرًا إلَى جَوَازِهِ وَمُشْعِرًا بِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ الْقِرَاءَةِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْ الْأُمَّةِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمُوا أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّوَافِ شَرْطٌ أَوْ وَاجِبٌ كَمَا فِي الصَّلَاة، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ آيَةِ {رَبَّنَا} [البقرة: ٢٠١] إنَّمَا كَانَتْ عَلَى قَصْدِ الدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ فَهُوَ مَعَ عَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْإِرَادَةِ بَعِيدٌ بِحَسَبِ الْعَادَةِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ زَاحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ إلَخْ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ يَقِفُ فِي الْأَثْنَاءِ وَهُوَ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا عُرْفًا وَعَادَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَلِكَوْنِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْأَشْوَاطِ، وَأَجْزَاءُ الطَّوَافِ سُنَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا تُتْرَكُ لِحُصُولِ سُنَّةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا فَلَوْ حَصَلَ التَّزَاحُمُ فِي الْأَثْنَاءِ يَفْعَلُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّمَلِ، وَيَتْرُكُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَقِفُ لِلرَّمَلِ إذَا حَصَلَتْ الزَّحْمَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَيْهِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهِيَ لَا تُدَافِعُ الرَّمَلَ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَمَّا إذَا حَصَلَتْ فِي الْأَثْنَاءِ فَلَا يَقِفُ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمُوَالَاةُ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَخْ) أَيْ لَوْ كَانَ فِي الْقُرْبِ مِنْ الْبَيْتِ زَحْمَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ الرَّمَلِ فَالطَّوَافُ فِي الْبُعْدِ مِنْ الْبَيْتِ مَعَ الرَّمَلِ أَفْضَلُ.

(قَوْلُهُ إنَّ الِاسْتِلَامَ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ سُنَّةٌ) سَقَطَ لَفْظُ وَالِانْتِهَاءُ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلِيُلَائِمَ قَوْلَهُ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ هَذَا وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْأَقْوَالِ فَإِنَّ اسْتِلَامَ طَرَفَيْهِ آكَدُ مِمَّا بَيْنَهُمَا وَلَعَلَّ السَّبَبَ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الِاسْتِلَامِ فِيمَا بَيْنَهُمَا نَوْعٌ مِنْ تَرْكِ الْمُوَالَاةِ بِخِلَافِ طَرَفَيْهَا، ثُمَّ هَلْ يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ تَكْبِيرٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِ فِي مَبْدَأِ كُلِّ شَوْطٍ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ فَمَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُعَوَّلُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَرْمَانِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَبَعْضِ الْأَحَادِيثِ يُؤَيِّدُ الثَّانِيَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَهُمَا مَرَّةً وَيَتْرُكَهُمَا أُخْرَى فَإِنَّ الْجَمْعَ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ مَهْمَا أَمْكَنَ أَحْرَى.

(قَوْلُهُ وَالدَّلَائِلُ تَشْهَدُ لَهُ) قَيَّدَ بِالدَّلَائِلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي النُّخْبَةِ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ جِدًّا وَفِي الْبَدَائِعِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ تَقْبِيلَهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَلَا يُقَبِّلُهُ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالِاسْتِلَامِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ التَّقْبِيلِ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>