بِالْأَوَّلِ هُوَ الصَّحِيحُ لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ الذَّهَابَ إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ وَالْعَوْدَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا صَحَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «فَلَمَّا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ» وَلَوْ كَانَ مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا شَوْطًا لَكَانَ آخِرَ طَوَافِهِ الصَّفَا، وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الذَّهَابَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالرُّجُوعَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الذَّهَابَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ فَأَمَّا الرُّجُوعُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا هَلْ هُوَ شَوْطٌ آخَرُ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يُعْتَبَرُ الرُّجُوعُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا شَوْطًا آخَرَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شَوْطٌ آخَرُ اهـ.
وَفَرَّقَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بَيْنَ الطَّوَافَيْنِ بِالْفَرْقِ لُغَةً بَيْنَ طَافَ كَذَا وَكَذَا سَبْعًا الصَّادِقُ بِالتَّرَدُّدِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْغَايَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى سَبْعًا وَبَيْنَ طَافَ بِكَذَا فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى أَنْ يَشْمَلَ بِالطَّوَافِ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَإِذَا قَالَ طَافَ بِهِ سَبْعًا كَانَ بِتَكْرِيرِ تَعْمِيمِهِ بِالطَّوَافِ سَبْعًا فَمِنْ هُنَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حَيْثُ لَزِمَ فِي شَوْطِهِ كَوْنُهُ مِنْ الْمَبْدَإِ إلَى الْمَبْدَإِ، وَالطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ السَّعْيِ خَتْمًا لَهُ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ أَقِمْ بِمَكَّةَ حَرَامًا؛ لِأَنَّك مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ حَتَّى يَأْتِيَ بِأَفْعَالِهِ فَأَفَادَ أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَفَرَّقَ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) وَفِي الْعِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ حَتَّى كَانَ مَبْدَأُ الطَّوَافِ هُوَ الْمُنْتَهَى دُونَ السَّعْيِ أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّوَافَ دَوَرَانٌ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِحَرَكَةٍ دَوْرِيَّةٍ فَيَكُونُ الْمَبْدَأُ وَالْمُنْتَهَى وَاحِدًا بِالضَّرُورَةِ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَهُوَ قَطْعُ مَسَافَةٍ بِحَرَكَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي عَوْدَهُ عَلَى بَدْئِهِ.
(قَوْلُهُ وَلِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ رَوَى الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ جَاءَ حَتَّى إذَا حَاذَى الرُّكْنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّائِفِينَ أَحَدٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سُتْرَةٌ» وَعَنْهُ «أَنَّهُ رَآهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ» إلَخْ، وَبَابُ بَنِي سَهْمٍ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْيَوْمَ بَابُ الْعُمْرَةِ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. اهـ.
وَنَازَعَهُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ السَّعْيِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَقْعُدَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهُ إلَى طَوَافٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ حَنِيفُ الدِّينِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِ السُّرُوجِيِّ فِي مَنْسَكِهِ لَيْسَ لِلسَّعْيِ صَلَاةٌ أَقُولُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ الْخَاطِرُ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمَحْمُولٌ عَلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَا أَنَّهَا لِلسَّعْيِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا أَحَبَّ حَالَ دُخُولِهِ إلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَهُ مِنْ التَّحِيَّةِ فَحَيَّاهُ بِهَا وَحَيْثُ كَانَ دُخُولُهُ عَقِيبَ السَّعْيِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ اشْتَبَهَ الْحَالُ عَلَى مَنْ رَآهُ اهـ.
كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ أَقُولُ: لَكِنْ ذَكَرَ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ أَنَّ تَحِيَّةَ هَذَا الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ بِخُصُوصِهِ هُوَ الطَّوَافُ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ مَانِعٌ فَحِينَئِذٍ يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ اهـ.
وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا فَهِمَهُ الرَّاوِي مِنْ أَنَّ صَلَاتَهُ لِلسَّعْيِ فَمَا الدَّاعِي إلَى الْعُدُولِ عَنْهُ مَعَ مَا عَلِمْته تَأَمَّلْ.
(مُهِمَّةٌ) ذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ أَنَّ مَسَافَةَ مَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا فَعَلَيْهِ فَعِدَّةُ السَّعْيِ خَمْسَةُ آلَافٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا اهـ.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ سَبْعُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ ذِرَاعًا، وَأَمَّا عَرْضُ الْمَسْعَى فَحَكَى الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ فِي تَارِيخِهِ نَقْلًا عَنْ تَارِيخِ الْفَاكِهِيِّ أَنَّهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ قَالَ وَهَاهُنَا إشْكَالٌ عَظِيمٌ مَا رَأَيْت أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ الْأُمُورِ التَّعَبُّدِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ وَعَلَى مَا ذَكَرَ الثِّقَاتُ أُدْخِلَ ذَلِكَ الْمَسْعَى فِي الْحَرَمِ الشَّرِيفِ وَحُوِّلَ ذَلِكَ الْمَسْعَى إلَى دَارِ ابْنِ عَبَّادٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمَكَانُ الَّذِي يُسْعَى فِيهِ الْآنَ لَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مِنْ عَرْضِ الْمَسْعَى الَّذِي سَعَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرُهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ السَّعْيُ فِيهِ وَقَدْ حُوِّلَ عَنْ مَحِلِّهِ وَلَعَلَّ الْجَوَابَ أَنَّ الْمَسْعَى كَانَ عَرِيضًا وَبُنِيَتْ تِلْكَ الدُّورُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عَرْضِ الْمَسْعَى الْقَدِيمِ فَهَدَمَهَا الْمَهْدِيُّ، وَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَرَكَ الْبَعْضَ، وَلَمْ يُحَوَّلْ تَحْوِيلًا كُلِّيًّا وَإِلَّا لَأَنْكَرَهُ عُلَمَاءُ الدِّينِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ اهـ. مُلَخَّصًا. مِنْ الْمَدَنِيِّ.
(قَوْلُهُ فَأَفَادَ أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لَا يَجُوزُ) أَيْ بِأَنْ يَفْسَخَ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِهِ وَيَقْطَعَ أَفْعَالَهُ وَيَجْعَلَ إحْرَامَهُ وَأَفْعَالَهُ لِلْعُمْرَةِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعُمْرَةِ لِيَجْعَلَهَا حَجًّا كَذَا فِي اللُّبَابِ قُبَيْلَ الْجِنَايَاتِ وَفِيهِ وَلَا يَعْتَمِرُ أَيْ الْمُتَمَتِّعُ حَالَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ فَإِنْ فَعَلَ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، وَأَحَلَّ بَعْدَ الْحَلْقِ يَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ قَالَ شَارِحُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْإِتْيَانُ بِالْعُمْرَةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهَا لِكَرَاهَتِهَا فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ لِلْمَكِّيِّ فِي