للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَجُوزُ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ إلَّا مَنْ سَاقَ مِنْهُمْ الْهَدْيَ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِهِمْ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ الْمُتْعَةَ كَانَتْ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهَا كَانَتْ مَشْرُوعَةً عَلَى الْعُمُومِ، ثُمَّ نُسِخَتْ كَمُتْعَةِ النِّكَاحِ أَوْ مُعَارَضٌ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّ «مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَمْ يَحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ» .

(قَوْلُهُ فَطُفْ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَك) أَيْ ظَهَرَ لَك لِحَدِيثِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ لَكُمْ الْمَنْطِقَ» وَالصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَكَذَا الطَّوَافُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْعَى لِكَوْنِهِ لَا يَتَكَرَّرُ لَا وُجُوبًا وَلَا نَفْلًا، وَكَذَا الرَّمَلُ وَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَالطَّوَافُ التَّطَوُّعُ أَفْضَلُ لِلْغُرَبَاءِ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلِأَهْلِ مَكَّةَ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْهُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِزَمَنِ الْمَوْسِمِ وَإِلَّا فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَرِيبًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ الْبَيْتِ فِي طَوَافه إذَا لَمْ يُؤْذِ بِهِ أَحَدًا وَالْأَفْضَلُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ، وَيَكُونَ طَوَافُهُ وَرَاءَ الشَّاذَرْوَانِ كَيْ لَا يَكُونَ بَعْضُ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ، وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الشَّاذَرْوَانِ لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الْبَيْتِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ الطَّوَافُ عَلَيْهِ، وَهُوَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الْمُلْصَقَةُ بِالْبَيْتِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى فُرْجَةِ الْحِجْرِ قِيلَ بَقِيَ مِنْهُ حِينَ عَمَّرَتْهُ قُرَيْشٌ وَضَيَّقَتْهُ وَفِي التَّجْنِيسِ الذِّكْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الطَّوَافِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُعَزِّيًا لِكَافِي الْحَاكِمِ يُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ دُخُولَ الْبَيْتِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا كَذَا قَالُوا يَعْنِي لَا نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ، وَقَلِيلٌ أَنْ يُوجَدَ هَذَا الشَّرْطُ فِي زَمَنِ الْمَوْسِمِ كَمَا شَاهَدْنَاهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا دَخَلَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ، وَيَجْعَلُ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، ثُمَّ يُصَلِّيَ وَيَلْزَمَ الْأَدَبَ مَا اسْتَطَاعَ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَلَا بِرَفْعِ بَصَرِهِ إلَى السَّقْفِ فَإِذَا صَلَّى إلَى الْجِدَارِ يَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِرُ وَيَحْمَدُ ثُمَّ يَأْتِي الْأَرْكَانَ فَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مَا شَاءَ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اُخْطُبْ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَعَلِّمْ فِيهَا الْمَنَاسِكَ) يَعْنِي فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ الْحِجَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً وَاحِدَةً لَا جُلُوسَ فِيهَا، وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ هُوَ يَوْمُ الثَّامِنُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ إبِلَهُمْ فِيهِ لِأَجْلِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَقِيلَ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي مَنَامِهِ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ بِأَمْرِ رَبِّهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَى فِي النَّهَارِ كُلِّهِ أَيْ تَفَكَّرَ أَنَّ مَا رَآهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَيَأْتَمِرُهُ أَوَّلًا فَلَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُغْرِبِ تَعَيُّنُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَالْأَصْلُ الْهَمْزَةُ وَأَخْذُهَا مِنْ الرُّؤْيَةِ خَطَأٌ وَمِنْ الرِّيِّ مَنْظُورٌ فِيهِ، وَأَرَادَ بِالْمَنَاسِكِ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَةَ وَالصَّلَاةَ فِيهَا وَالْوُقُوفَ وَالْإِفَاضَةَ، وَهَذِهِ أَوَّلُ الْخُطَبِ الثَّلَاثِ الَّتِي فِي الْحَجِّ، وَيَبْدَأُ فِي الْكُلِّ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ بِالتَّحْمِيدِ كَابْتِدَائِهِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ، وَيَبْدَأُ بِالتَّحْمِيدِ فِي ثَلَاثِ خُطَبٍ وَهِيَ خُطْبَةُ الْجَمْعِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالنِّكَاحِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى.

(قَوْلُهُ ثُمَّ رُحْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى) وَهِيَ قَرْيَةٌ فِيهَا ثَلَاثُ سِكَكٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَهِيَ مِنْ

ــ

[منحة الخالق]

أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ يَحُجُّ فَيَبْقَى مُتَمَتِّعًا مُسِيئًا.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ وَنَصُّهُ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ لِأَهْلِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَلِلْغُرَبَاءِ الطَّوَافُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ بِالصَّلَاةِ لَكِنَّ الْغُرَبَاءَ لَوْ اشْتَغَلُوا بِهَا لَفَاتَهُمْ الطَّوَافُ مِنْ غَيْرِ إمْكَانِ التَّدَارُكِ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ أَوْلَى اهـ. تَأَمَّلْ.

(تَنْبِيهٌ) : هَلْ إكْثَارُ الطَّوَافِ أَفْضُلُ أَمْ إكْثَارُ الِاعْتِمَارِ وَالْأَظْهَرُ تَفْضِيلُ الطَّوَافِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ وَالْمَشْرُوعِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ، وَلِكَرَاهَةِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إكْثَارَهَا فِي سَنَتِهِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ ثُمَّ قَوْلُهُمْ إنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا أَفْضَلُ مِنْ أَدَاءِ أُسْبُوعٍ؛ لِأَنَّ الْأُسْبُوعَ مُشْتَمِلٌ مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِهِ أَنَّ الزَّمَنَ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ أُسْبُوعًا مِنْ الطَّوَافِ هَلْ الْأَفْضَلُ فِيهِ أَنْ يَصْرِفَهُ لِلطَّوَافِ أَوْ يَشْغَلَهُ بِالصَّلَاةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ فَتَنَبَّهْ اهـ.

وَفِيهَا عَنْ الْقَاضِي الْعَلَّامَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ ظَهِيرَةَ أَنَّ الْأَرْجَحَ تَفْضِيلُ الطَّوَافِ عَلَى الْعُمْرَةِ إذَا شَغَلَ مِقْدَارَ زَمَنِ الْعُمْرَةِ بِهِ، وَهَذَا فِي الْعُمْرَةِ الْمَسْنُونَةِ أَمَّا إذَا قِيلَ إنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ هُوَ يَوْمُ الثَّامِنِ) وَالْيَوْمُ التَّاسِعُ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ يَوْمُ الْقَرِّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقَرُّونَ فِيهِ بِمِنًى وَالثَّانِي عَشَرَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثَ عَشَرَ النَّفْرُ الثَّانِي كَذَا فِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ.

(قَوْلُهُ أَيْ تَفَكَّرَ أَنَّ مَا رَآهُ إلَخْ) قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ عَنْ السُّرُوجِيِّ وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>